مرحبا بكم

مرحبا بكم في موقع إسلام ويب.الموقع الدي يهتم بالإسلام وقضاياه وعلومه وفروعه

الإعجاز العلمي في القرءان

    الإعجاز العلمي بالقرءان:
  • :الاعصار و النار

قال الله تعالى: (أيَوَدّ أحَدُكُمْ أن تَكُونَ لَهُ جَنــَّةٌ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَـيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّـكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (البقرة 266).


 وقفت عند قوله تعالى: (فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) وسألت هل يحتوي الإعصار في كيانه الفيزيائي على تكون ناري؟ ووجدت أن أحدث الدراسات العلمية المتخصصة في "الأعاصير" لم تتوصل حتى الآن فيما أعلم إلى ما يؤكد احتواء كيان الإعصار على نار. ولكن يمكن أن نطرح السؤال التالي على علماء الأرصاد: هل يكوّن الإعصار ناراً أم لا؟ وهل يحمل الإعصار هذه النار بين ثناياه؟ فإن كانت الإجابة بنعم ـ وكان الواقع يؤكد ذلك كان في هذه الآية سبق وإعجاز علميا فريدا.


وسنلقي بإطلالة على معنى الآية، ونورد بعض الشواهد العلمية التي تساعد المتخصصين في علم الأرصاد للكتابة المتعمقة والدقيقة في هذا الموضوع.


  المعنى اللغوي للإعصار:


   في المصباح المنير: الإعصار ريح ترتفع بتراب بين السماء والأرض وتستدير كأنها عمود والإعصار مذكر قال تعالى: (فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ) والعرب تسمى هذه الريح الزوبعة أيضا والجمع الأعاصير وفي مختار الصحاح: والإعصار ريح تثير الغبار فيرتفع إلى السماء كأنه عمود ومنه قوله تعـالى : (فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ) وقيل هي ريح تثيرسحابا ذات رعد وبرق، وفي المعجم الوجيز: اعتصر الشيء: عصره وعصر الشيء عصْرا: استخرج ما فيه من دهن أو ماء أو نحوه. والإعصار ريح تهب بشدة وتثير الغبار وترتفع إلى السماء كالعمود.. ورد في فتح القدير للشوكاني: والإعصار الريح الشديدة التي تهب من الأرض إلى  السماء كالعمود وهي يقال لها الزوبعة والزوبعة رئيس من رؤساء الجن ومنه سمي الإعصار زوبعة، ويقال أم الزوبعة: وهي ريح يثير الغبار ويرتفع إلى السماء كأنه عمود وقيل هي ريح تثير سحابا ذات رعد وبرق.


  وفي علم الجغرافيا الحديث ـ الإعصار منطقة من الضغط تجذب الرياح إلى مركزها في اتجاه عكس عقارب الساعة في نصف الكرة الشمالي والعكس في نصف الكرة الجنوبي وتعرف هذه المناطق بالعروض الوسطى بالمنخفضات الجوية.

وفي التفسير الشرعي:

   قال ابن كثير في قوله تعالى: (وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ) "وهو ريح شديد" فيه نار فاحترقت أي احرق ثمارها واباد أشجارها فأي حال يكون حاله؟ قال ابن عباس: ضرب الله مثلا حسنا وكل أمثاله حسن قال }أيَوَدّ أحَدُكُمْ أن تَكُونَ لَهُ جَنــَّةٌ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ{ يقول: ضيعة في شيبته }وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ{ وولده وذريته ضعاف عند آخرعمره فجاءه (إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ) فاحترق بستانه فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه. ويقول ابن عباس: (إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ) قال: ريح فيها سموم شديدة.

 مدخلات الدراسة الإعجازية:

  يصنف العلماء الأعاصير إلى الأعاصير القمعية والأعاصير المدارية (التايفونات). ومن الأعاصير التي درسها الباحثون في الإدارة القومية للمحيطات والغلاف الجوي خدءء إعصار اندرو ءخزط في العام 1992 الذي قتل 15 شخصا ودمر ممتلكات قيمتها 25 بليون دولار في جنوب فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية. أيضا إعصار اوبال دذءج فوق خليج المكسيك عام 1995 الذي تسبب في دمار هائل فقتل اكثر من 28 شخصا، كذلك تناول الباحثون إعصار بوني دخخة الذي مر فوق خليج المكسيك العام 1998 وفي العام 1999 حط إعصار برت زش فوق منطقة زراعية غير مأهولة في تكساس ودمرهذه المزروعات.

   يضع الباحثون قوى الأعاصير وفق تقسيم درجاتي، فكان إعصار اوبال قد بلغت قوته (الفئة4) كما كانت قوة إعصار هوكو بصاد (الفئة 5)وهي شديدة العنف. وقد تناول الباحثون ـ حديثا جدا ـ الإعصار دينيس بولاية فلوريدا والذي حدث في 29 أغسطس 1999 وقد تضمن تقرير الفحص أن الإعصار أطلق رياحا تبلغ سرعتها 145 كيلومتر وكان الخوف قد سيطر على السكان في الجزر القريبة من ساحل كارولينا الشمالية، فعمدوا إلى إغلاق منازلهم بألواح خشبية ووضع أكياس من الرمل في سياراتهم لتثبيتها إلى الأرض والفرار من العاصفة الوشيكة.

   والغريب انه متى صادف الإعصار حطه في منطقة غابات أي بيئة مهيأة لتلقي الاشتعال، تندلع النيران في هذه الأماكن وقد سجلت حالات كثيرة لم يسند فيها مرجع الإشعال إلى تدخل العنصر البشري... بما يعني أن الإشعال قد صنعته الطبيعة فالتهمت نفسها بنفسها وذلك بفعل مؤثر خارجي... بالدرجة التي جعلتني أتساءل: هل يمكن أن يكون مصدر النيران المشتعلة نزول الأعاصير عليها.

   وأظن أن الصلة قائمة لا مناص بين الإعصار واندلاع الحريق في الغطاءات النباتية والغابات في بيئاتها الطبيعية. لكن السؤال الذي أوجهه لعلماء الطبيعة المتخصصين هل يمكن أن يحتوي الإعصار على النار بما تعنيه الكلمة من معنى، أو بالأقل احتواء الإعصار على الآلية المضيئة لإشعال النار؟... فإذا كان الأمر كذلك وفق أحد هذين الفرضين كانت آية الذكر الحكيم }إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ{ آية جديرة ببحوث الإعجاز العلمي.

    والثابت في قول ابن كثير أن الإعصار ريح شديدة... وقد ربط بين هذا الريح وتلك الحرائق التي أبادت الشجر، وأتصور أن الإعصار ـ داخل منظوماته الهوائية الحركية العنيفة ـ إذا صادف اغتنامه للبرق يكون منطقيا احتضان الإعصار لنواتج البرق وداخل آلياتها مسببات الإشعال ـ فيأتي الإعصار ممزوجا به آليات الإشعال أو حتى الإشعال ذاته إذا كان قد نتج وفي هذا يبدو الإعصار للناظرين » إعصار به نار« وربما يؤيد هذا الافتراض ما ذكره الباحثون المتخصصون حول » البرق « حيث يمثل: يبدا سهم البرق الطبيعي بنذير لا يكاد يرى يدعى الطور الطليعي ينتشر إلى الأسفل بدءا من السحابة باتجاه  الأرض بشكل متدرج مقتلعاً في طريقه إلكترونات ضعيفة الارتباط بين جزئيات الغاز الموجودة في الجو ومشكلا قناه من الهواء المؤيّن تعمل كقناة موصلة وبعد أن يمس الطور الطليعي الأرض مباشرة ينفجر » طور العودة « الساطع، وكما يحدث أثناء الطور الطليعي، فان صاعقة العودة التي تحمل تيارات تمتد من بضعة آلاف الأمبيرات حتى تصل إلى نحو 300000 أمبير، ويسير سهم البرق المبهر للأبصار هذا بسرعات قد تصل إلى نصف سرعة الضوء، ويمكن للتيار الكهربائي الهائل الذي يحمله معه أن يدمر بسهولة أي جسم يصادفه في طريقه. هذا والله تعالى أعلم. 

 المراجع:

1 ـ المصباح المنير للفيومي الجزء الأول والثاني من كتاب، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1926. مختار الصحاح للرازي، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1962، ط 9.

2 ـ المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية / 1997

3 ـ ابن كثير، تفسير القران العظيم، الجزء الأول، دار الحديث ص 302

 4 ـ الشوكاني، فتح القدير، المجلد الأول، دار الفكر، ص 287 ـ 288

 5 ـ مجلة العلوم، مجلد 13 ـ العدد 10 أكتوبر 1997، التحكم في البرق ص 10 ـ 15

 6 ـ مجلة العلوم، مجلد 16، العددان 6,5 مايو / يونيو 2000 تفحص الإعصار ص 20 ـ 25 


  • الشجرة المباركة من خلال يقين القرآن و بحوث العلماء:


د. محمد محمد فائد
قدم البحث في المؤتمر العالمي السابع للإعجاز العلمي
ملخص البحث
 ما خلق الله سبحانه وتعالى الكون إلا لحكمة كما يقول في سورة القمر "إنا كل شيء خلقناه بقدر وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر" ولم يأت القرآن مخالفا للسنن الكونية، بل كل السنن الشرعية توافق قوانين السنن الكونية. ولم ينزل القرآن ليهلك الناس وإنما رحمة من الله كما يقول العزيز جل جلاله في سورة طه "طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى" فلا يمكن أن يشقى الناس بالقرآن، ولبيان ذلك ارتأينا في بحثنا هذا أن نتناول موضوع الأطعمة في القرآن الكريم، واخترنا لذلك مادة غذائية جعلها الله غذاء ودواء ووقى بها أجسامنا من الأمراض العديدة. فلا يجب أن نفعل مثل بنو اسرائيل مع المن والسلوى، فنستبدل هذه المادة بمواد أخرى فنشقى في أبداننا بالأمراض وفي أموالنا بشراء الأدوية الكيماوية لعلاجها. سنتكلم بعون الله عن زيت الزيتون وعن هذه الشجرة المباركة ونقف عند المزايا التي تبينت علميا في ميدان التغذية والطب الوقائي. لكن تبقى هناك حقائق لن تقدر العلوم على تبيانها، فهل ننتظر العلوم أم نرجح كلمات القرآن ؟

لا بد للحديث عن الزيتون من الرجوع إلى الآية الكريمة التي تعرف شجرة الزيتون تعريفا علميا إعجازيا. حيث يقول الجليل في سورة المؤمنون: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ(20). إذا تأملنا هذه الآية الكريمة من حيث كلماتها وألفاظها، نجدها سهلة التعبير ومفهومة المعنى، ولا تكاد تخفي شيئا وراء كلماتها من الناحية اللغوية، فكل أطرافها معهودة، وكل ألفاظها مألوفة.
وجاءت هذه الآية الكريمة في سورة المؤمنون بعد ذكر الأشجار الأخرى كالنخيل والأعناب حيث يقول الباري سبحانه : َأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19).
وذكر النخيل والأعناب في هذه الآية يخص الأكل، لأن الصيغة جاءت بكلمة تأكلون، وفي آية أخرى من سورة النحل نجد نفس الثمار لكنها ذكرت للشراب حيث يقول سبحانه: وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67).
وحسب ما جاء في الآية الكريمة التي تخص الزيتون فإن الزيت يصنف مع الأكل، لقوله تعالى للآكلين، والصيغة واضحة باللفظ. ومن عظمة القرآن الكريم، اليسر في الفهم كما قال سبحانه في سورة القمر: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر (17)، وقد يفهم كل إنسان هذه الآية على قدر مستواه من الإدراك، فقد يفهمها العالم باللغة على مستواه من البلاغة، أو قد يفهمها العالم الكوني على مستواه من العلم، فيظل كلام الله سبحانه وتعالى يساير العصور بتقدمها  وبإنجازاتها العلمية المختلفة، لكن رغم كل هذه المستويات، لا نجد تفسيرا نهائيا لكل الحقائق العلمية، لتظل معجزة القرآن قائمة وثابتة، بينما تظل الحقائق العلمية نسبية ومتغيرة 
ونفهم بقدر علمنا أن الشجرة التي جاءت في الآية هي شجرة الزيتون، كما ثبت عند علماء التفسير بالإجماع. وتبين الآية الكريمة منشأ أو أصل هذه الشجرة التي تخرج من طور سيناء، وهو الجبل الذي كلم الله عليه سيدنا موسى عليه السلام. وهذه النقطة الدقيقة في بيان أصل شجرة الزيتون ثابت في العلوم الأحيائية،  وهو أن أصل الأنواع والأصناف في عالم النبات ينحدر من المنطقة الممتدة من فلسطين إلى شمال إيران. وأغلب الأنواع وجد في المنطقة الممتدة حاليا بين فلسطين والأردن ولبنان وسوريا. وهي المنطقة التي أخذ منها المسلمون الأغراس إلى المغرب العربي والأندلس. وكلمة شجرة في الآية أتت نكرة تامة، بمعنى أي شجرة إذ اقتصر التعبيرعلى ذكرها دون نعتها، لكنها معرفة تعريفا علميا، من حيث أن الأصل لهذه الشجرة هو جبل طور سيناء، وهو الموقع الأصلي لعدة أشجار أخرى أيضا، فقد تكون شجرة أخرى لها نفس الأصل كشجرة التين مثلا، لكن الصفة الثانية، وهي الإنبات بالدهن، يجعل المعنى يقتصر على الأشجار الزيتية، ومنها كذلك اللوز والجور وما إلى ذلك، لكن هذه الأشجار تعطي الدهن دون الصبغ، فكانت كلمة الصبغ التي جاءت في الآية هي التي تعرف شجرة الزيتون تعريفا دقيقا، لأنها هي الشجرة الوحيدة التي تعطي الدهن والصبغ دون غيرها، فالإشارة إلى شجرة الزيتون دون ذكرها إشارة بلاغية من حيث المعنى، وإشارة علمية كذلك لأن الخصائص العلمية التي تجعل هذه الشجرة هي شجرة الزيتون، هي خصائص ثابتة، وتخص النوع وهو الأساس التي ترتكز عليه العلوم الوراثية لتصنف الأنواع والأصناف على خصائصها الوراثية الثابتة، ولو اقتصرنا على المعنى اللغوي لبقيت الأمور مبهمة يسودها الشك، وقد تعصف بها التأويلات اللغوية إلى ما لا يمكن حصره بالعين.
ونقف عند هذه الكلمة البسيطة، التي جاءت في هذه الآية، والتي لم تلفت نظر العلماء المسلمين طوال القرون العديدة التي مرت، هي كلمة "الصبغ" وكان على الباحثين المسلمين أن يأخذوا بحقيقة القرآن حتى لا ينزلقوا مع بعض مفاهيم البحث العلمي الصرفة. 
ولماذا يجب أن نقف عند هذه الكلمة وهي كلمة الصبغ؟ لأن هناك معجزة علمية لو أدركها العلماء من قبل لكان خيرا للبشرية جمعاء. فالقراءة اليسيرة للآية هي أن هذه الشجرة المباركة، أو شجرة الزيتون، تنبت بالدهن، وهي المادة الدسمة السائلة التي نسميها الزيت، لكن الدهن يعني الزيت ومواد أخرى، كما نقول في علوم التغذية (Lipid)، فكان الوصف بالدهن وليس بالزيت، لأن الدهن يشمل الزيت وكل المواد الأخرى التي تمر أثناء العصر، وهنا نجد أن التفسير الذي جاء به العلماء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، يجعل الصبغ يدخل مع الدهن، وهو ما لا يتفق مع العلوم، لأن الدهن فيه زيت وصبغ، لكن الصبغ الذي جاء في الآية ليس الصبغ الذي يدخل في الدهن، ولذلك يظهر حسب تقديرنا أن هناك قصور في فهم الآية من الناحية العلمية، فلم ينتبه الباحثون إلى هذه الخاصية، الشيء الذي أدى إلى ضياع كبير في الميدان الغذائي والطبي، وهذا القصور أو الجهل جعلنا لا نستفيد من الصبغ الذي يفصل عن الزيت أثناء استخراجه، وهو شيء نافع للإنسان،  كما قد اتضح في الميدان الطبي في السنوات الأخيرة. ولا تزال الأبحاث سارية حول الموضوع، لتقترب من الوحي فيستفيد الناس من الصبغ لأغراض طبية واستشفائية محضة.


  •  غلبت الروم فى ادنى الارض:

    غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿3﴾
     فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿4﴾

     د.‏ زغـلول النجـار 
    هذه الآيات القرآنية الكريمة جاءت في مطلع سورة الروم‏,‏ وهي سورة مكية يدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة‏,‏ شأنها في ذلك شأن كل القرآن المكي‏.‏ ومن قضايا العقيدة الأساسية الإيمان بوحدانية الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وبوحدة الرسالة‏,‏ ووحدة الخلق‏,‏ والإيمان بالآخرة وأهوالها‏,‏ ومنها هول البعث‏,‏ وهول الحساب‏,‏ وهول الميزان‏,‏ وهول الصراط‏,‏ وحتمية الجزاء‏,‏ وحتمية الخلود في الحياة القادمة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏...!!‏
    وقد ابتدأت السورة الكريمة بالتنبؤ بحدث غيبي قبل وقوعه بعدة سنوات ألا وهو انتصار الروم علي الفرس بعد هزيمتهم أمامهم قبل نزول هذه السورة المباركة بعدة سنوات‏.‏ وتزخر السورة بالأمر بتسبيح الله‏,‏ وتنزيهه وحمده‏,‏ وبالاستشهاد بعدد كبير من الآيات الكونية الدالة علي طلاقة قدرته وشمول علمه‏,‏ وعدل قضائه‏...!!‏ وتنصح السورة النبي والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بأن يقيم وجهه لدين الإسلام الحنيف‏,‏ الذي لا يرتضي ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من عباده دينا سواه‏,‏ لأنه دين الفطرة التي فطر الله‏(‏ تعالي‏)‏ الناس عليها‏,‏ والتي لا تبديل لها‏,‏ وإن كان أكثر الناس لا يعلمون  ذلك‏,‏ وتأمر المسلمين بالإنابة إلي الله وتقواه‏,‏ كما تأمرهم بإقام الصلاة‏,‏ وبالحذر من الوقوع في دنس الشرك بالله‏,‏ لأن الذين أشركوا قد فرقوا دينهم‏,‏ وكانوا شيعا عديدة حسب أهوائهم‏,‏ وكل حزب منهم فرح بما لديه‏...!!!‏
    وتحدثت السورة الكريمة عن شيء من التقلب في طبائع النفس البشرية‏,‏ والذي لا تستقيم معه الحياة السوية‏,‏ مثل اللجوء إلي الله تعالي في الشدة‏,‏ والإعراض عنه في الرخاء‏,‏ والإيمان به‏(‏ تعالي‏)‏ في لحظات الضيق‏,‏ والشرك أو الكفر به‏(‏ تعالي‏)‏ وبما أنزل في لحظات السعة والرحمة‏,‏ وتضرب السورة مثلا للناس من حياتهم علي سخافة فكرة الشرك بالله إذا ناقشها العقل بشيء من الموضوعية والحيدة‏.‏ ومن مكارم الأخلاق التي تدعو إليها السورة الكريمة‏:‏ الأمر بإخراج الزكاة وإيتاء ذي القربى‏,‏ والمساكين وأبناء السبيل‏,‏ والنهي عن أكل الربا‏,‏ علي أن ينطلق ذلك كله من الإيمان بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الخالق‏,‏ الرزاق‏,‏ المحيي‏,‏ المميت‏,‏ وتربط السورة بين ظهور الفساد في البر والبحر وبين أعمال الناس وما كسبت أيديهم‏,‏ وتأمر بالسير في الأرض لاستخلاص العبر من سير الأولين‏,‏ومصائر الظالمين‏.‏
    وتؤكد السورة مرة ثانية لخاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ضرورة الاستقامة علي الدين القيم من قبل أن تأتي الآخرة فيصدع بها كل الخلائق ثم يجزي كل بعمله‏.‏ ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها سورة الروم علي طلاقة القدرة الإلهية‏:‏ خلق السماوات والأرض‏,‏ وخلق الأحياء‏,‏ وخلق الإنسان‏,‏ كل ذلك في زوجية تشهد للخالق وحده‏(‏ سبحانه‏)‏ بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ ومنها اختلاف ألسنة الناس وألوانهم‏,‏ وإعطاء الإنسان الاستطاعة علي النوم بالليل أو في النهار‏,‏ وعلي ابتغاء فضل الله‏,‏ ومن آياته الرعد والبرق‏,‏ وإنزال المطر‏,‏ وإحياء الأرض بعد موتها‏,‏ وقيام السماوات والأرض بأمره‏,‏ وخضوع كل من فيها أو عليها بأمره‏,‏ وبعث الموتى بأمره‏,‏ وأنه هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده‏,‏ وله المثل الأعلى في السماوات والأرض‏.‏
    ومن آياته إرسال الرياح برحمة منه وفضل‏,‏ وجري الفلك بأمره‏,‏ وإثارة السحاب‏,‏ وما يستتبعه من أحداث بأمره‏,‏ ومرور كل حي بمراحل من الضعف‏,‏ ثم القوة‏,‏ ثم الضعف والوفاة‏,‏ ومن آياته أنه يحيي الموتى وأنه علي كل شيء قدير‏...!!‏ وتذكر السورة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بشيء من قصص من سبقه من الأنبياء والمرسلين‏,‏ وما أصاب أقوامهم من انتقام من الظالمين‏,‏ ونصر للمؤمنين‏,‏ كما تذكره‏(‏  صلوات الله وسلامه عليه‏)‏ بأن ما عليه إلا البلاغ‏.‏
    وتختتم السورة الكريمة مرة أخري بالحديث عن البعث وأهواله‏,‏ وعن مصير أهل الكفر والشرك والضلال في هذا اليوم العصيب‏,‏ ومصير أهل الإيمان والتقوى‏,‏ وتكرر الإشارة إلي شيء من طبائع النفس البشرية‏,‏ وقد ضربت لها آيات القرآن الكريم من كل مثل‏,‏ ولكن الذين كفروا لا يؤمنون‏,‏ فالله‏(‏ تعالي‏)‏ قد طبع علي قلوب الذين لا يعلمون‏.‏  وتنتهي السورة بتثبيت خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بوصية من الله‏(‏ تعالي‏)‏ له بالصبر علي استخفاف الكفار والمشركين بدعوته‏,‏ والاطمئنان بأن وعد الله حق‏,‏ وهو واقع لا محالة‏...!!‏
    والآيات الكونية الواردة في سورة الروم تحتاج إلي مجلدات لتفصيل دلالاتها‏,‏ ولإظهار جوانب الإعجاز العلمي فيها‏,‏ ولكني سأقتصر في هذا المقال علي الإشارة القرآنية إلي الموقع الذي هزمت فيه جيوش الروم علي أيدي جيوش الفرس بالتعبير‏:‏ أدني الأرض‏,‏ وقبل الدخول في ذلك لابد من عرض الدلالة اللغوية لهذا التعبير ولأقوال المفسرين فيه‏.‏ 
    أدني الأرض في اللغة العربية:
     يقال في اللغة‏:(‏ دنا‏)(‏ يدنو‏)(‏ دنوا‏)‏ بمعني قرب بالذات أو بالحكم‏,‏ ويستعمل في المكان‏,‏ والزمان‏,‏ والمنزلة‏,‏ كما يعدي فيقال‏(‏ أدني‏)(‏ يدني‏)(‏ أدناءة‏),‏ ويقال‏:(‏ دانيت‏)‏ أو‏(‏ أدنيت‏)‏ بين الأمرين أي قاربت بينهما‏,‏ حتي صارت بينهما‏(‏ دناوة‏)‏ أي‏:‏ قرب أو قرابة‏..‏ و‏(‏الدني‏)‏ القريب‏,‏ و‏(‏الدنئ‏)‏ بمعني الدون‏,‏ الخسيس‏,‏ وقد‏(‏ دنأ‏)(‏ يدنأ‏),‏ وفيهما‏(‏ دناءة‏),‏ ويقال‏:(‏ دنؤ‏)‏ بمعني انحط‏,‏  و‏(‏الدنيئة‏)‏ هي النقيصة‏.‏ قال‏(‏ تعالي‏):....‏ ومن النخل من طلعها قنوان دانية‏...[‏ الأنعام‏:99].‏
    وقال‏(‏ سبحانه‏):‏ ثم دنا فتدلي‏.‏ فكان قاب قوسين أو أدني‏.[‏ النجم‏:9,8].‏ وفي الحديث الشريف‏:‏ إذا أكلتم فادنوا أي كلوا مما يليكم‏.‏ ويعبر بـ‏(‏ الأدني‏)‏ تارة عن الأقرب فيقابل بالأبعد‏(‏ أو الأقصي‏)‏ من مثل قوله‏(‏ تعالي‏):‏ إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوي‏....[‏ الأنفال‏:42].‏
    وتارة ثانية يعبر بها عن الأخفض‏(‏ أو الأحقر‏)‏ فيقابل بالأعلي‏(‏ أو الأعز‏)‏ وذلك من مثل قوله‏(‏ تعالي‏):‏ ‏.....‏ يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين‏....(‏ الأحزاب‏:59).‏
    وتارة ثالثة تأتي بمعني الأقل في مقابل الأكثر‏,‏ من مثل قوله‏(‏ تعالي‏):....‏ ولا أدني من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم‏...[‏ المجادلة‏:7]‏ وتارة رابعة يعبر بها عن الأرذل فيقابل بالذي هو خير‏,‏ وذلك من مثل قوله‏(‏ تعالي‏):‏ ‏....‏ قال أتستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير‏...(‏ البقرة‏:61)‏
    وتارة خامسة يعبر بها عن الأولي‏(‏ الدنيا‏)‏ في مقابلة الآخرة وذلك من مثل قوله‏(‏ تعالي‏):‏ ‏....‏ منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة‏....‏ (آل عمران‏:152)
    وسميت‏(‏ الدنيا‏)‏ بهذا الاسم لدنوها‏,‏ والجمع‏(‏ الدنا‏),‏ وأصله الدنو فحذفت الواو لاجتماع الساكنين‏,‏ والنسبة إليها‏(‏ دنياي‏),‏ وقيل‏(‏ دنيوي‏)‏ ودني‏,‏ ويقال‏:(‏ تدني‏)‏ فلان أي‏(‏ دنا‏)‏ قليلا قليلا‏,‏ و‏(‏تدني‏)‏ المستوي بمعني هبط‏,‏ و‏(‏تدانوا‏)‏ أي‏(‏ دنا‏)‏ بعضهم من بعض‏.‏
    شروح المفسرين:

    في تفسير قوله تعالي‏:‏ ألم‏.‏ غلبت الروم‏.‏ في أدني الأرض‏.‏ وهم من بعد غلبهم سيغلبون‏.‏ في بضع سنين‏.‏ لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون‏.‏ بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم‏(‏ الروم‏:1‏ ـ‏5).‏ ذكر بن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ قول بن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏ حيث قال‏:‏ كان المشركون يحبون أن تظهر فارس علي الروم لأنهم أصحاب أوثان‏,‏ وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم علي فارس‏,‏ لأنهم كانوا من أهل الكتاب‏,‏ فذكر ذلك لأبي بكر‏(‏ رضي الله عنه‏),‏ فذكره أبو بكر لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ فقال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):[‏ أما إنهم سيغلبون‏],‏ فذكره أبو بكر للمشركين‏,‏ فقالوا‏:‏ اجعل بيننا وبينك أجلا‏,‏ فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا‏,‏ وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا‏,‏ فجعل أجل خمس سنين‏,‏ فلم يظهروا‏,‏ فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فقال‏:[‏ ألا جعلتها إلي دون العشر؟‏],‏ ثم ظهرت الروم بعد‏,‏ قال فذلك قوله تعالي‏:[‏ ألم‏.‏ غلبت الروم‏.‏ في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون‏].‏
    وأضاف بن كثير عدة روايات أخري للحديث عن كل من مسروق‏,‏ وابن مسعود‏,‏ وعكرمة‏(‏ رضي الله عنهم أجمعين‏)‏ في المعني نفسه‏,‏ وزاد قوله‏:...‏ وأما الروم فهم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم‏,‏ ويقال لهم بنو الأصفر‏,‏ وكانوا علي دين اليونان‏;‏ واليونان من سلالة يافث بن نوح أبناء عم الترك‏,‏ وكانوا يعبدون الكواكب السيارة‏,‏ وهم الذين أسسوا دمشق وبنوا معبدها‏,‏ فكان الروم علي دينهم إلي بعد مبعث المسيح‏(‏ عليه السلام‏)‏ بنحو من ثلاثمائة سنة‏,‏ وكان من ملك منهم الشام مع الجزيرة يقال له‏(‏ قيصر‏);‏ فكان أول من دخل في دين النصاري من الروم‏(‏ قسطنطين‏);‏ وأمه مريم الهيلانية من أرض حران وكانت قد تنصرت قبله فدعته إلي دينها‏...‏ واستمروا علي النصرانية‏,‏ كلما هلك قيصر خلفه آخر بعده حتي كان آخرهم‏(‏ هرقل‏)...‏ فناوأه كسري ملك الفرس‏,‏ وكانت مملكته أوسع من مملكة قيصر‏,‏ وكانوا مجوسا يعبدون النار‏,‏ فتقدم عن عكرمة‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أنه قال‏:‏ بعث إليه نوابه وجيشه فقاتلوه‏,‏ والمشهور أن كسري غزاه بنفسه في بلاده فقهره‏,‏ وكسره وقصره حتي لم يبق معه سوي مدينة قسطنطينية فحاصره بها مدة طويلة حتي ضاقت عليه‏,‏ ولم يقدر كسري علي فتح البلدة‏,‏ ولا أمكنه ذلك لحصانتها‏,‏ لأن نصفها من ناحية البر‏,‏ ونصفها الآخر من ناحية البحر‏,‏ فكانت تأتيهم الميرة والمدد من هناك‏,‏ ثم كان غلب الروم لفارس بعد بضع سنين وهي تسع‏,‏ فإن البضع في كلام العرب ما بين الثلاث إلي التسع‏.‏
    وذكر صاحبا تفسير الجلالين‏(‏ يرحمهما الله‏)‏ كلاما موجزا في المعني نفسه‏,‏ وأضافا تعليقا علي التعبير القرآني‏(‏ في أدني الأرض‏)‏ أن المقصود به‏:[‏ أقرب أرض الروم إلي فارس بالجزيرة‏,‏ التقي فيها الجيشان‏,‏ والبادي بالغزو‏(‏ هم‏)‏ الفرس‏...].‏ وجاء في الظلال‏(‏ رحم الله كاتبها رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:‏
    ثم جاءت النبوءة الصادقة الخاصة بغلبة الروم في بضع سنين‏....‏ وأضاف رواية عبدالله بن مسعود‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ مؤكدا أن هذا الحادث قد وردت فيه روايات كثيرة‏,‏ تتفق كلها في المعني والدلالة‏,‏ وتختلف في الألفاظ وطرائق التعبير‏.‏ وجمع الكاتب‏(‏ رحمه الله‏)‏ من هذه الآيات القرآنية الكريمة عددا من الإيحاءات منها‏:‏ الترابط بين الشرك والكفر في كل مكان وزمان أمام دعوة التوحيد والإيمان‏;‏ ومنها الثقة المطلقة في وعد الله كما تبدو في قولة أبي بكر‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ في غير تلعثم ولا تردد‏,‏ والمشركون يعجبون من قول صاحبه‏,‏ فما يزيد علي أن يقول‏:‏ صدق‏,‏ ويراهنونه فيراهن وهو واثق‏,‏ ثم يتحقق وعد الله‏,‏ في الأجل الذي حدده‏:‏ في بضع سنين‏...‏
    والإيحاء الثالث وهو المسارعة برد الأمر كله لله‏,‏ في هذا الحادث وفي سواه‏,‏ وتقرير هذه الحقيقة الكلية‏,‏ لتكون ميزان الموقف‏,‏ وميزان كل موقف‏,‏ فالنصر والهزيمة‏,‏ وظهور الدول ودثورها‏,‏ وقوتها وضعفها‏,‏ شأنه شأن سائر ما يقع في هذا الكون من أحداث ومن أحوال‏,‏ مرده كله إلي الله‏...‏ وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن ما نصه‏:‏ احتربت الفرس والروم فيما بين أذرعات وبصري من أرض الروم يومئذ‏,‏ وهما أقرب أراضيها بالنسبة إلي مكة‏,‏ وكان ذلك قبل الهجرة بخمس سنين‏,‏ وقيل بست‏.‏ فظهر الفرس علي الروم‏,‏ فلما بلغ الخبر مكة شق علي المؤمنين‏,‏ لأن الفرس مجوس لا يدينون بكتاب‏,‏ والروم أهل كتاب‏;‏ وفرح المشركون وقالوا‏:‏ أنتم والنصاري أهل كتاب‏,‏  ونحن والفرس أميون‏,‏ وقد ظهر إخواننا علي إخوانكم‏,‏ ولنظهرن نحن عليكم‏,‏ فنزلت الآية وفيها‏:‏ أن الروم سيغلبون الفرس في بضع سنين‏.‏ والبضع‏:‏ ما بين الثلاث إلي التسع و‏(‏غلبهم‏)‏ كونهم مغلوبين‏.‏
    وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه‏:‏ غلبت فارس الروم في أقرب الأرض من العرب‏,‏ وهي أطراف الشام‏,‏ وهم بعد انهزامهم سيغلبون الفرس‏,‏ قبل أن تمضي تسع سنوات‏..‏ وكان المشركون قد فرحوا بانتصار فارس‏,‏ وقالوا للمسلمين‏:‏ سنغلبكم كما غلبت فارس الروم التي هي من أهل الكتاب‏..‏ وقد حقق الله وعده فانتصر الروم علي فارس في الأجل الذي سماه‏,‏ فكان ذلك آية بينة علي صدق محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في دعواه وصحة ما جاء به‏....‏ وجاء في الهامش التعليق التالي‏:‏ في هذه الآيات الشريفة إشارة إلي حدثين‏:‏ كان أولهما قد وقع بالفعل‏,‏ وأما الثاني فلم يكن قد وقع بعد‏,‏ وهو إخبار عن الغيب‏,(‏ وحدد لوقوعه بضع سنين فيما بين الثلاث والتسع‏).‏
    وتفصيل الحدث الأول أن الفرس والبيزنطيين قد اشتبكوا في معركة في بلاد الشام علي أيام خسرو أبرويز أو خسرو الثاني عاهل الفرس المعروف عند العرب بكسري‏.‏ وهيراكليوس الصغير الإمبراطور الروماني المعروف عند العرب بهرقل‏;‏ ففي عام‏614‏ م استولي الفرس علي أنطاكية أكبر المدن في الأقاليم الشرقية للإمبراطورية الرومانية‏,‏ ثم علي دمشق‏,‏ وحاصروا مدينة بيت المقدس إلي أن سقطت في أيديهم وأحرقوها ونهبوا السكان وأخذوا يذبحونهم‏....‏ وتفصيل الحدث الثاني أن هرقل قيصر الروم الذي مني جيشه بالهزيمة لم يفقد الأمل في النصر‏,‏ ولهذا أخذ يعد نفسه لمعركة تمحو عار الهزيمة‏,‏ حتي إذا كان عام‏622‏ الميلادي‏(‏ أي العام الهجري الأول‏)‏ أرغم الفرس علي خوض معركة علي أرض أرمينيا وكان النصر حليف الروم‏,‏ وهذا النصر كان فاتحة انتصارات  الروم علي الفرس‏...‏ فتحققت بشري القرآن‏....‏
    وثمة حدث ثالث يفهم من سياق هذه الآيات الشريفة كان مبعث فرح المسلمين وهو انتصارهم علي مشركي قريش في غزوة بدر التي وقعت في يوم الجمعة‏17‏ رمضان من العام الثاني الهجري‏(‏ أي سنة‏624‏ م‏).‏ وجاء في صفوة التفاسير ما نصه‏:...(‏ غلبت الروم في أدني الأرض‏)‏ أي هزم جيش الروم في أقرب أرضهم إلي فارس‏(‏ وهم من بعد غلبهم سيغلبون‏)‏ أي وهم من بعد انهزامهم وغلبة فارس لهم سيغلبون الفرس‏,‏ وينتصرون عليهم‏(‏ في بضع سنين‏)‏ أي في فترة لا تتجاوز بضعة أعوام‏;‏ والبضع ما بين الثلاث والتسع‏....‏
    وأشار صاحب صفوة التفاسير‏(‏ جزاه الله خيرا‏)‏ إلي أقوال المفسرين السابقين وعلق علي قوله‏(‏ تعالي‏):[‏ وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين‏]‏ ما نصه‏:‏ وقد التقي الجيشان في السنة السابعة من الحرب‏,‏ وغلبت الروم فارس وهزمتهم‏,‏ وفرح المسلمون بذلك‏;‏ قال أبو السعود‏:‏ وهذه الآيات من البينات الباهرة‏,‏ الشاهدة بصحة النبوة‏,‏ وكون القرآن من عند الله عز وجل حيث أخبر عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله العليم الخبير‏,‏ ووقع كما أخبر‏,‏ وقال البيضاوي‏:‏ والآية من دلائل النبوة لأنها إخبار عن  الغيب‏....‏ وأضاف صاحب صفوة التفاسير في شرح قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):[‏ ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله‏]‏ ما نصه‏:‏ وقد صادف ذلك اليوم يوم غزوة بدر‏;‏ قال ابن عباس‏:‏ كان يوم بدر هزيمة عبدة الأوثان‏,‏ وعبدة النيران‏....‏
    ويوم بدر وقع في السنة الثانية من الهجرة‏(‏ الموافق سنة‏624‏ م‏),‏ وعلي ذلك فإن هزيمة الروم علي أيدي الفرس لابد وأنها كانت قد وقعت في حدود سنة‏614‏ م إلي‏615‏ م‏.‏ وجاء في أطلس تاريخ الإسلام‏(‏ علي واضعه رحمة الله‏)‏ ما نصه‏:...‏ وعندما تولي هرقل عرش الروم سنة‏610‏ م‏(‏ وهي سنة البعثة المحمدية‏)‏ كان الفرس قد اجتاحوا بلاد الشام ومصر وهزموا البيزنطيين سنة‏613‏ م عند أنطاكية‏,‏ واستولوا علي فلسطين والقدس سنة‏614‏ م‏,‏ وغزوا مصر ودخلوا الإسكندرية سنة‏618‏ م أو‏619‏ م‏,‏ وبعد أن أقام هرقل دولته بدأ قتال الفرس سنة‏622‏ م‏,‏ وفي سنة‏627‏ م أنزل بهم هزيمة قاصمة قرب نينوي‏,‏ واسترد منهم أراضي الدولة البيزنطية في أرمينيا والشام وفلسطين ومصر‏,‏ وفي سنة‏630‏ م استعاد بيت المقدس‏.‏
    ومن استقراء كل هذه التواريخ السابقة يتضح أن هزيمة الروم الحقيقية علي أيدي جيوش الفرس كانت في حدود سنة‏614‏ م إلي‏615‏ م‏,‏ وأن استعادتهم النصر علي الفرس كانت في حدود سنة‏624‏ م‏,‏ واستمر تقدم الروم علي أرض الفرس حتي تم لهم استعادة بيت المقدس‏.‏ وواضح من شروح المفسرين أن المقصود بالتعبير القرآني في أدني الأرض الذي يصف أرض المعركة التي تمت فيها هزيمة الروم أمام جحافل جيش الفرس هو أقرب الأرض إلي مكة المكرمة أو إلي الجزيرة العربية أو إلي أرض الفرس‏..‏ ولكن الدراسات الحديثة تؤكد أن منطقة حوض البحرالميت‏,‏ بالاضافة إلي كونها أقرب الأراضي التي كان الروم يحتلونها إلي الجزيرة العربية هي أيضا أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا‏,‏ حيث يصل منسوب سطح الأرض فيها إلي حوالي الأربعمائة متر تحت متوسط مستوي سطح البحر‏,‏ وان هذه المنطقة كانت من مناطق الصراع بين امبراطوريتي الفرس والروم‏,‏ وأن المعركة الحاسمة التي أظهرت جيوش الفرس علي جيوش امبراطورية روما الشرقية‏(‏ الامبراطورية البيزنطية‏)‏ لابد أنها وقعت في حوض البحرالميت‏,‏ وان الوصف بـ أدني الأرض هنا كما يعني أقربها للجزيرة العربية‏,‏ يعني  ايضا أنها أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا‏,‏ وهذه الاشارة القرآنية العابرة تعتبر من السبق العلمي في كتاب الله‏,‏ لأن أحدا لم يكن يعلم هذه الحقيقة في زمن الوحي بالقرآن الكريم‏,‏ ولا لقرون متطاولة من بعده‏.‏
    أدني الأرض في العلوم الحديثة:
     ثبت علميا بقياسات عديدة ان أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا هو غور البحرالميت‏,‏ ويقع البحرالميت في أكثر أجزاء الغورانخفاضا‏,‏ حيث يصل مستوي منسوب سطحه إلي حوالي أربعمائة متر تحت مستوي سطح البحر‏,‏ ويصل منسوب قاعه في أعمق أجزائه إلي قرابة الثمانمائة متر تحت مستوي سطح البحر‏,‏ وهو بحيرة داخلية بمعني ان قاعها يعتبر في الحقيقةجزءا من اليابسة‏.‏ وغور البحرالميت هو جزء من خسف أرضي عظيم يمتد من منطقة البحيرات في شرقي إفريقيا إلي بحيرة طبريا‏,‏ فالحدود الجنوبية لتركيا‏,‏ مرورا بالبحرالأحمر‏,‏ وخليج العقبة‏,‏ ويرتبط بالخسف العميق في قاع كل من المحيط الهندي‏,‏ وبحر العرب وخليج عدن‏,‏ ويبلغ طول أغوار وادي عربة ـ البحرالميت ـ الأردن حوالي الستمائة كيلومتر‏,‏ ممتدة من خليج العقبة في الجنوب إلي بحيرة طبريا في الشمال‏,‏ ويتراوح عرضها بين العشرة والعشرين كيلومترا‏.‏
    ويعتبر منسوب سطح الأرض فيها أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا حيث يصل منسوب سطح الماء في البحرالميت إلي‏402‏ مترا تحت المستوي المتوسط لمنسوب المياه في البحرين المجاورين‏:‏ الأحمر والأبيض المتوسط‏,‏ وهو أخفض منسوب أرضي علي سطح اليابسة كما يتضح من الأرقام التالية‏:‏ منسوب سطح الأرض في وادي عربة‏=355‏ ـ‏400‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
    منسوب أعمق نقاط قاع البحرالميت‏=794‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
    منسوب سطح الماء في البحرالميت‏=402‏ تحت مستوي سطح البحر‏.‏
    مستوي سطح الأرض في غور الأردن‏=212‏ ـ‏400‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
    منسوب سطح الماء في بحيرة طبريا‏=209‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
    منسوب قاع بحيرة طبريا‏=252‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
    منسوب سطح الأرض في قاع منخفض القطارة في شمال صحراء مصرالغربية‏=133‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
    منسوب سطح الأرض في قاع وادي الموت‏/‏ كاليفورنيا‏=86‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
    منسوب سطح الأرض في قاع منخفض الفيوم‏/‏مصر‏=45‏ م تحت مستوي سطح البحر‏.‏
    ويتراوح عمق الماء في الحوض الجنوبي من البحرالميت بين الستة والعشرة أمتار‏,‏ وهو بذلك في طريقه إلي الجفاف‏,‏ ويعتقد انه كان جافا الي عهد غير بعيد من تاريخه‏,‏ وكان عامرا بالسكان‏,‏ وأن منطقة الأغوار كلها من وادي عربة في الجنوب إلي بحيرة طبريا في الشمال كانت كذلك عامرة بالسكان منذ القدم حيث عرف البحرالميت في الكتابات التاريخية القديمة‏,‏ ووصف بأسماء عديدة من مثل بحرسدوم بحيرة لوط بحيرة زغر‏,‏ البحر النتن‏,‏ بحر عربة‏,‏ بحر الأسفلت والبحرالميت‏,‏ وذلك لأن المنطقة اشتهرت بخصوبة تربتها‏,‏ ووفرة مياهها فعمرتها القبائل العربية منذ القدم‏,‏ واندفعت اليها من كل من العراق والجزيرة العربية وبلاد الشام ومنهم قوم لوط‏(‏ عليه السلام‏)‏ الذين عمروا خمس مدن في أرض الحوض الجنوبي من البحرالميت هي‏:‏ سدوم‏,‏ وعمورة‏,‏ وأدمة‏,‏ وصوبييم‏,‏ وزغر‏,‏ وقد ازدهرت فيها الحياة إلي أواخر القرن العشرين قبل الميلاد ودمرت بالكامل في عقاب إلهي أنزل بها وجاء خبر عقابها في القرآن الكريم بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود ‏(‏هود‏:82)‏
    والأرض في حوض البحرالميت ـ بصفة عامة ـ وفي الجزء الجنوبي منه بصفة خاصة والتي تعرف باسم الأرض المقلوبة تتميز بالحرارة الشديدة‏,‏ وبتفجر كل من العيون المائية‏,‏ والأبخرة الكبريتية الحارة فيها‏,‏ وبتناثر كتل الأسفلت التي كثيرا ما كانت تطفو علي سطح مياه البحرالميت إلي عهد غير بعيد‏.‏ وقري قوم لوط التي كانت تشغل أرض الحوض الجنوبي من البحرالميت‏,‏ والتي دمرت بالكامل بأمر من ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ لا علاقة لها بالحركات الأرضية التي شكلت تلك الأغوار من قبل حوالي‏25‏ مليون سنة مضت‏,‏ ولكن بعد تدميرها بالعقاب الالهي دخلت المنطقة برحمة من الله‏(‏ تعالي‏)‏ في دورة مطيرة غسلت مياهها ذنوب الآثمين من قوم لوط‏,‏ وغمرت منطقة قراهم لتحولها إلي الحوض الجنوبي من البحرالميت‏,‏ والذي يتجه اليوم إلي الجفاف مرة أخري ليصير أرضا يابسة‏.‏
    وخلاصة القول إن منطقة أغوار وادي عربة ـ البحرالميت ـ الأردن تحوي اخفض أجزاء اليابسة علي الاطلاق‏,‏ والمنطقة كانت محتلة من قبل الروم البيزنطيين في عصر البعثة النبوية الخاتمة‏,‏ وكانت هذه الامبراطورية الرومانية يقابلها ويحدها من الشرق الامبراطورية الفارسية الساسانية‏,‏ وكان الصراع بين هاتين الامبراطوريتين الكبيرتين في هذا الزمن علي أشده‏,‏ ولابد ان كثيرا من معاركهما الحاسمة قد وقعت في أرض الأغوار‏,‏ وهي أخفض أجزاء اليابسة علي الاطلاق‏,‏ ووصف القرآن الكريم لأرض تلك المعركة الفاصلة التي تغلب فيها الفرس علي الروم ـ في أول الأمر بـ أدني الأرض ـ وصف معجز للغاية لأن أحدا من الناس لم يكن يدرك تلك الحقيقة في زمن الوحي‏,‏ ولا لقرون متطاولة من بعده‏,‏ وورودها بهذا الوضوح في مطلع سورة الروم يضيف بعدا آخر الي الاعجاز التنبؤي في الآيات الأربع التي استهلت بها تلك السورة المباركة ألا وهو الاعجاز العلمي فبالاضافة إلي ما جاء بتلك الايات من اعجاز تنبؤي شمل الأخبار بالغيب‏,‏ وحدد لوقوعه بضع سنين‏,‏ فوقع كما وصفته وكما حددت له زمنه تلك الآيات فكانت من دلائل النبوة‏,‏ فان وصف ارض المعركة بالتعبير القرآني أدني الأرض يضيف إعجازا علميا جديدا‏,‏ يؤكد أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق وأن النبي الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏.‏
    وكما كانت هذه الايات الكريمة من دلائل النبوة في زمن الوحي لإخبارها بالغيب فيتحقق‏,‏ فهي لا تزال من دلائل النبوة في زماننا بالتأكيد علي ان المعركة الفاصلة قد تمت في اخفض اجزاء اليابسة علي الاطلاق‏,‏ وهي أغوار البحرالميت وما حولها من أغوار ويأتي العلم التجريبي ليؤكد تلك الحقيقة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين‏.‏ وعلي كتاب التاريخ الذين تأرجحوا في وضع المعركة الفاصلة في هزيمة الروم علي أرض القسطنطينية‏,‏ أو علي الأرض بين مدينتي أذرعات وبصري من أرض الشام‏,‏ أو علي أرض أنطاكية‏,‏ أو علي أرض دمشق‏,‏ أو أرض بيت المقدس‏,‏ أو أرض مصر‏(‏ الاسكندرية‏)‏ ان يعيدوا النظر في استنتاجاتهم‏,‏ لأن القرآن الكريم يقرر ان هزيمة الروم علي أيدي الفرس كانت علي الأرض الواقعة بين شرقي الأردن وفلسطين وهي أغوار وادي عربة ـ البحرالميت ـ الأردن التي أثبت العلم انها أكثر اجزاء اليابسة انخفاضا‏,‏ والتي ينطبق عليها الوصف القرآني بأدني الارض انطباقا تاما ودقيقا‏.‏
    وعلي الذين قالوا ان معني أدني الأرض هو أقرب الأرض من بلاد فارس‏,‏ أو من بلاد  العرب‏,‏ أو هي أطراف بلاد الشام‏,‏ أو بلاد الشام‏,‏ أو انطاكية‏,‏ أو دمشق‏,‏ أوبيت المقدس أو غيرها أن يعيدوا النظر في ذلك‏,‏ لأن حدود الامبراطوريتين كانت متلاحمة مع بعضهما بعضا من جهة ومع بلاد العرب من جهة أخري‏,‏ وعليه فلايعقل ان يكون المقصود بتعبير أدني الأرض في هذه الآيات الكريمة هو القرب من بلاد فارس أو بلاد العرب‏,‏ فقط‏,‏ وان كانت ارض الاغوار هي اقرب الأرض الي بلاد العرب‏,‏ بل هي في الحقيقة جزء من ارض شبه الجزيرة العربية‏.‏ فسبحان الذي انزل هذا التعبير المعجز أدني الأرض ليحدد أرض المعركة ثم ليثبت العلم التجريبي بعد أكثر من اثني عشر قرنا ان الأغوار الفاصلة بين أرض فلسطين المباركة والأردن هي أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا ومن هنا كانت جديرة بالوصف القرآني أدني الأرض‏,‏ وجديرة بأن تكون أرض المعركة التي هزم فيها الروم‏,‏ وذلك لقول الحق‏(‏ عز من قائل‏):‏ ألم‏.‏ غلبت الروم‏.‏ في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون‏.‏ في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون‏.‏ بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم‏.(‏ الروم‏:1‏ ـ‏ 
    • :لفتة إعجازية جديدة.. الهالة الكهرومغناطيسية.. وسنبلة القمح
     
    الهالة الكهرومغناطيسية.. وسنبلة القمح
    د. جميل قدسي الدويك
     لقد أثبت العلم الحديث ومن خلال التصوير بكاميرا كيرليان Kirlian photography أن حبة القمح عندما تبدأ بالتنبيت وإخراج برعمها، فإن هالة من الموجات الكهرومغناطيسية تبدأ بالإحاطة بحبة القمح، تماما كما هي الهالة التي تحيط  بالإنسان الحي المفعم بالطاقة، وكأن بعث الحياة في هذه الحبة التي أنبتها الله تعالى، قد بعث فيها طاقة عظيمة، استطعنا تصوير جزء منها بتصويرالهالة الكهرومغناطيسية التي تحيط بالقمح المبرعم، أو عشب القمح الحي، والجدير بالذكر أن هذه الهالة غير موجودة حول حبوب القمح العادية المخزنة غير الموجودة في سنبلها، فمن أين تأتي هذه الطاقة؟
    من المعروف أن جزيء الماء قطبي، بمعنى أن الإلكترونات (أو ما يُعرف بالسحابة الإلكترونية) تتوزع حول جزيء الماء الذي يتكون من ذرة أكسجين واحدة، وذرتي هيدروجين، وتتوزع هذه الإلكترونات بشكل غير متجانس بحيث تكون الإلكترونات في مكان ما حول الجزيء بشكل أكبر، وبالتالي تعتبر هذه النقطة القطب السالب، لأنها أكثر نقطة في الجزء تحتوي على إلكترونات، وهذا يكون على حساب نقطة مقابلة في جزيء الماء والتي تفقد هذه الإلكترونات فتكون بذلك القطب الموجب.
    ولنتذكر ما الكهرباء بالتعريف، فالكهرباء تتولد عندما تتحرك شحنات كهربائية في اتجاه معين، وأنا أؤكد هنا على كلمة تتحرك، فبدون هذه الحركة، وإذا بقيت الشحنات في محلها بدون حركة، فإنه لا تتولد كهرباء، أبداً، إذن فبدون حركة هذه الشحنات لا يمكن أن تتولد الكهرباء، وتذكروا هذه النقطة المهمة جدا ولا تنسوها أبدا.
    ولنتذكر أيضًا قاعدة العالم فاراداي الذي يقول إنه إذا مر تيار كهربائي في اتجاه معين (أي إذا تحركت مجموعة من الشحنات في اتجاه معين)، فإنه يتولد حوله مجال مغناطيسي دائري بشكل متعامد عليه، وبالفعل هذه هي الموجات الكهرومغناطيسية والتي تتولد حول الجسم إذا كان فيه أجسام مشحونة تتحرك فيه، فتولد بذلك كهرباء، فيتولد حولها مجال مغناطيسي حلقي دائري وهذا ما يحدث مع ماء المطر، فالماء أصلا بطبيعته قطبي (أي أن جزيء الماء يحمل شحنات موجبة وأخرى سالبة)، كما أن هذه القطبية تجعل جزيء الماء أفضل مذيب في الطبيعة، وهكذا فإن الماء الذي في السماء في الغيوم، يذيب كثير من العناصر الموجودة في الغلاف الغازي ويشكل بذلك الأحماض والقلويات والعناصر المشحونة، وما الحمض إلا مركب فيه شحنات موجبة (بروتونات)، وما القلوي إلا مركب فيه شحنات سالبة (إلكترونات)، وكذلك هو الحال مع العناصر المشحونة الذائبة في الماء، ولذلك فعند نزول الماء من السماء على هيئة المطر فإنه يحتوي على شحناته القطبية أصلا، وعلى الأحماض والقلويات ذات الشحنة الموجبة والسالبة على الترتيب، وعلى العناصر المشحونة الذائبة والتي قد تحمل شحنة موجبة وقد تحمل شحنة سالبة، وحركة هذه الشحنات بنزول الماء من السماء تولد مجالا كهرومغناطيسيا يحيط بكل قطرة من قطرات الماء أثناء نزولها، وقد أكد القرآن الكريم على أهمية نزول الماء وصبه من السماء، وحركته هذه لتوليد هذه  الطاقة الكهرومغناطيسية، وإنني أشدد هنا على كلمة حركته، فبدون هذه الحركة كما رأينا علميٌّا لا يمكن توليد الطاقة الكهربائية ومن ثم لا يمكن توليد الطاقة المغناطيسية حولها بشكل موجات متعامدة عليها، ومن ثم لا يمكن توليد الموجات الكهرومغناطيسية أبداً، فقال تعالى: (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبٌّا) (25) عبس.
    وقال أيضا: (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجًا) (14) النبأ، وثجاجا كما ورد في التفسير أي منصبا بكثرة، ولاحظوا صيغة المبالغة التي ورد عليها المطر (ثجاجا) على وزن فعالا.
    اهتزاز التربة والحركة البروانية في التربة
    وهذه الطاقة الكهرومغناطيسية المحيطة بكل قطرة من قطرات الماء المنصب والمنهمر  من السماء هي التي تنزل على حبيبات التربة غير المشحونة والميتة والتي ليس لها القدرة على إحداث أي تفاعل حيوي في الدنيا يكون في اكتساب لشحنات أو فقدان لها، فكيف تستطيع العناصر الميتة الموجودة في التربة والتي لا شحنة لها أن تدخل في أي تفاعل حيوي يولد أي مظهر من مظاهر الحياة؟
    تقوم قطرات المطر النازلة من السماء والمنصبة انصبابا عظيما قويا (ثجاجا) بكثير والتي يحاط بكل منها هالة من الموجات الكهرومغناطيسية، تقوم هذه القطرات بشحن عناصر التربة بعد أن تكن ميتة، لا طاقة فيها ولا شحنات، فتجعل هذه العناصر والصفائح المعدنية الموجودة في التربة، تشحن بشحنات موجبة، وأخرى تشحن بشحنات بشحنات سالبة، فأما العناصر والحبيبات والصفائح المعدنية ذات الشحنات المتماثلة المتشابهة فإنها تتنافر مع بعضها البعض، وتتحرك مهتزة مبتعدة عن بعضها البعض، وأما العناصر والشحنات والحبيبات والصفيحات المعدنية ذات الشحنات المختلفة، فتتجاذب مع بعضها البعض، وتتحرك مهتزة مقتربة من بعضها البعض وهذا ما أكده الله تعالى بقوله: (وَتَرى اٌّلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا اٌّلْمَآءَ اٌّهتزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج 5).
    إن طاقة القمح، والتي تتولد من نزول الماء ذي القطبية من السماء والحامل للشحنات المختلفة، وانصبابه بشكل ثجاج قوي يؤدي إلى توليد طاقة كهرومغناطيسية عظيمة حول كل قطرة من قطرات المطر، تم اكتشافها حديثا، وقد يكون هذا هو المعنى الذي يقصده الله تعالى بقوله (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكًا) (9 سورة ق) أي في هذا الماء البركة والطاقة، وقد يكون في ذلك الإشارة إلى الطاقة الكهرومغناطيسية التي تحيط بكل قطرة من قطرات الماء، والله تعالى أعلم.
    هذا الماء المبارك ذو الطاقة العالية المتولدة بانصبابه الثجاج، هو الذي يهز الأرض والتربة وعناصرها وحبيباتها وصفائحها المعدنية، وكل ما فيها، بطاقته الكهرومغناطيسية، وهو الذي تستمد منه حبة القمح، ومن العناصر التي يشحنها في التراب هذه الطاقة، ألم نر أن حبة القمح فيها من كل عناصر التراب النادرة والوفيرة على حد سواء، وبنسبة تشبه نسبة وجودها في التربة وفي جسم الإنسان، أليس الماء هو الذي يشحن كل هذه العناصر بشحنات موجبة وسالبة، وذلك بما يحتويه من خاصية قطبية؟
    إذن فبعد شحن حبيبات التربة واهتزازها عند نزول الماء المبارك عليها ذي الطاقة الكهرومغناطيسية، فإن عناصر التربة المشحونة تبدأ بعملية التفاعلات الحيوية، التفاعلات التي تدخلها داخل حبة القمح وتساهم في تشكيل هذه الحبة وإنباتها وبرعمتها ونموها.
    أليست التفاعلات الحيوية كلها، بل أي تفاعل كيميائي في الكون، ماهو إلا فقدان أو اكتساب للشحنات الكهربائية؟
    أليس نمو برعم القمح، وإنباته، ناجماً عن تفاعلات حيوية كيميائية تتم داخل الحبة نفسها، وهي لا تبدأ إلا بعد أن تشحن عناصر الحبة، بعد أن كانت ميتة لا شحنات فيها، والتي تقوم بعد شحنها باكتساب أو فقدان هذه الشحنات، أي انها تقوم بتنفيذ التفاعلات الحيوية الكيميائية بداخلها، محققة بذلك التفاعلات الحيوية اللازمة لتحقيق النمو، وأن كل هذه العملية المتكاملة لا تتم إلا بوجود الماء ذي الخاصية القطبية، مما يفسر قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَيٍّ) ـ (30 الأنبياء).
    فتأملوا قول الله تعالى في الآيات التالية، لتعلموا أن جزءاً من طاقة القمح المبرعم الكهرومغناطيسية هو آتٍ من الطاقة الكهرومغناطيسية المباركة والتي أضفاها الله تعالى في الماء وخصائصه القطبية:
    قال تعالى (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبٌّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقٌّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبٌّا) (عبس 25 ـ 27).
    وقال أيضا: (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبٌّا وَنَبَاتًا) (النبأ 14 ـ 15) وقال أيضًا (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) (9 سورة ق)، والله تعالى أحكم وأعلم.

    الطاقات الأربع تتجمع في حبة القمح عن طريق الكلوروفيل
    وتأملوا معي بعد هذه الحقائق الآية التالية:
    قال تعالى (وَهُوَ الَّذِى أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَىْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبٌّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ) (99 الأنعام).
    والمتأمل لهذه الآية يجد نقطة مفصلية حاسمة، هذه النقطة هي حلقة الوصل بين نزول  الماء، وإخراج كل الثمرات، وأقصد بذلك ما أسماه الله في الآية خضرا، فهذا الخضر هو ما يسميه العلم الحديث الكلوروفيل، وبعد تشكل الكلوروفيل من العناصر الأولية الموجودة في التربة والتي أحياها نزول الماء عليها، بإذن الله تعالى، وبالتأمل في الحقائق العلمية التي كشفها العلم الحديث عن الكوروفيل تجد أنه بالفعل هو حلقة الوصل بين تجميع المواد الخام، الماء والهواء (الذي يمثله غاز ثاني أكسيد الكربون)، والتراب والنار، (أي الطاقة الضوئية من الشمس)، من ثم توزيعها بعد مزجها، وقيامها بصنع الحبوب والثمار والخضار والنخيل والزيتون والأعناب وغيرها التي ذكرت في الآية.
    فالكوروفيل يتطلب ماءً وهواءً (ثاني أكسيد الكربون) ونار (طاقة) يمكن تمثيلها في هذه المعادلة:
     6CO2 + 6H2O +طاقة g C6H12O6 + 6O2 
     ماء +  ثاني أكسيد الكربون+ طاقة  fكربوهيدرات + أكسجين
    وبذلك يقوم الكوروفيل بصنع الكربوهيدرات والتي تعتبر اللبنة الأولى التي يصنع منها كل العناصر الغذائية، ولكن كيف؟
    بكل بساطة، من التراب، فالتراب يحتوي على كل العناصر التي خلقت منها الأحياء بلا استثناء، فهو يحتوي على العناصر الوفيرة مثل الكالسيوم والفسفور والكبريت والبوتاسيوم والكلور والصوديوم والمغنيسيوم، وليس هذا فقط، بل إنه يحتويها بنسب مقاربة جدا لما هي موجودة عليه في جسم الإنسان، كما أنه يحتوي على كل العناصر النادرة في التربة، بكميات نادرة أيضًا، وبنسب مقاربة جدًا لما هي موجودة عليه في جسم الإنسان، وأمثلتها الحديد والفلور والزنك، والنحاس، واليود والكروم والكوبالت، والسيليكون، والفاناديوم والسيلينيوم والمنجنيز والنيكل والموليبدنيوم وغيرها.
    هذا وقد ذكرت العناصر النادرة جنبا إلى جنب مع العناصر الوفيرة، وذلك لأهمية العناصر النادرة، فهي ذات أهمية قيادية رئيسية في جسم الإنسان، (ارجع موسوعة الغذاء الميزان فصل العناصر النادرة والإنزيمات).
    العناصر النادرة والوفيرة في حبة القمح تساهم في توليد الهالة الكهرومغناطيسية حول الحبة المبرعمة.
    فمن المعروف أن الحياة من الناحية البيولوجية ما هي إلا مجموعة هائلة من مليارات التفاعلات الحيوية، والتي تتم على كافة المستويات، من تفاعلات حيوية خاصة بالتنفس، وأخرى للحركة، وثالثة للاستقلاب، ورابعة للنمو والتمايز، وخامسة للتكاثر، وهكذا، مما يشكل التفاعلات الحيوية البيولوجية والتي تكون الحياة بكل صورها.
    والجدير بالذكر أنه ليس هناك تفاعل واحد فقط في كل الجسم، يتم بدون وجود ما يعرف باسم الإنزيم الكامل holoenzyme، وحتى نعرف مدى أهمية هذا الإنزيم الكامل، فيكفي أن نعرف أن بعض التفاعلات تستغرق لكي تتم خارج جسم الإنسان، وفي المختبر وتحت شروط خاصة من الضغط والحرارة، تستغرق مائتين وتسعاً وأربعين سنة لكي تتم، ولكنها تتم في جسم الإنسان، بشرط وجود الإنزيم الكامل في تسع ثوانٍ فقط، فتخيلوا الدور العظيم الذي يقوم به هذ الإنزيم الكامل؟
    ويكون لهذا الحديث أهمية إذا علمنا أن هذا الإنزيم الكامل من جزءين هما الإنزيم enzyme ومساعد الانزيم coenzyme وهما لا يستطيعان أن يعملا إلا معا، فنقص مساعد الأنزيم يؤدي إلى توقف الإنزيم تماما وتعطله الكامل، ومن ثم توقف تفاعل حيوي ما في جسم الإنسان، وما مساعد الإنزيم هذا إلا عبارة عن عنصر من العناصر النادرة التي ذكرناها آنفا، والتي قلنا إنها في غاية الأهمية، وهنا تكمن أهميتها فمساعد الإنزيم هو عنصر من العناصر النادرة أو فيتامين من الفيتامينات العديدة الموجودة بكثرة في حبة القمح ولا تنسوا النقطة الهامة جدا في أن هذه العناصر النادرة أو الوفيرة قد جاءت من التربة بعد أن تم شحنها بنزول الماء الثجاج ذي البركة والطاقة عليها، ولا تنسوا أيضًا أن هذه العناصر النادرة والوفيرة تسكن في قلب الإنزيم في الجزء الفعال منه الذي يسير التفاعل الحيوي، والجدير بالذكر أن عنصر الزنك الموجود في حبة القمح مثلا يعمل كمساعد للإنزيم لسبعين نوعا مختلفا من الإنزيمات الموجودة في جسم الإنسان، فإذا كان عنصر الزنك ناقصا في الجسم، فهذا يعني أنه ســـيؤدي إلى تعطيل سبعين نوعا من التفاعلات الحيوية التي تعمل في الجسم، وهذا قد يؤدي إلى توقف المليارات من التفاعلات الحيوية داخل جســم الإنسان المعتمدة على هذه الأنواع السبعين من الإنزيمات.
    ولا تنسوا أن الإنزيمات الموجودة في حبة القمح وفي سنبلها تتحرك أيضًا لأنها تسبح في سيتوبلازما الخلايا حيث تعمل، ولا تنسوا أنه يوجد في قلب هذه الإنزيمات، العناصر النادرة المشحونة وهي تتحرك أيضًا بحركة هذه الإنزيمات وبحركة هذه العناصر المشحونة تتولد الطاقة الكهربائية ومن ثم يتولد حولها المجال المغناطيسي، وكل ذلك يتم داخل حبة القمح وسنبلها، مما يفسر لنا الهالة الكهرومغناطيسية التي تحيط بحبة القمح وسنبلتها.
    وسألخص كل هذا بنقاط سريعة:
    نزول الماء من السماء يؤدي إلى حركة جزيئات الماء القطبية وما تحتويه من عناصر  مذابة مشحونة فيها، وهذا يؤدي بدوره إلى توليد موجات كهرومغناطيسية حول كل قطرة من قطرات المطر.
    هذه الموجات الكهرومغناطيسية حول كل قطرة من قطرات المطر تشحن حبيبات التربة فتصبح مشحونة قادرة على الدخول في التفاعلات الحيوية.
    تشكل حبيبات التربة المشحونة والماء النازل من السماء البنية الأولية التي يتشكل منها الكلوروفيل في حبة القمح.
    يقوم الكوروفيل بجمع عناصر الطاقة الكاملة (الماء من السماء) والهواء (ثاني أكسيد الكربون) والنار (ضوء الشمس) ويقوم بصنع المركب الأولي ألا وهو الكربوهيدرات في داخل حبة القمح.
    تقوم حبة القمح التي بدأت تتبرعم بامتصاص مزيد من العناصر الموجودة في التربة  وتضيفها إلى الكربوهيدرات، فإذا امتصت أكسجين وإضافته للكربوهيدرات تشكل الدهون، وإذا امتصت نتروجين وأضافته للكربوهيدارت تشكل البروتين وإذا أضافت فوسفوراً أو كبريتاً تشكل أنواعا مختلفة من البروتينات والدهون، ومن ثم بعد ذلك تشكل الفيتامينات والإنزيمات في عشبة القمح وسنابلها بنفس الطريقة.
    بعض هذه العناصر الممتصة من التربة تدخل في قلب الإنزيمات (كمساعد لهذه الإنزيمات) الموجودة في عشبة القمح وفي قلب الإنزيمات التي تعمل على تشكيل البروتينات والأحماض الأمينية والدهنية والفيتامينات وغيرها من المركبات الموجودة في عشبة القمح، وحركة هذه العناصر المشحونة المأخوذة من التربة في داخل الخلية يولد الموجات الكهرومغناطيسية المحيطة بحبة القمح وسنبلها.

    • و الارض ذات الصدع:


    وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴿الطارق:12﴾
     د. ‏زغـلول النجـار
           هذه الآية الكريمة من خواتيم سورة الطارق‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ يدور الخطاب  فيها حول أمور العقيدة‏,‏ ومنها قضية البعث‏,‏ وقضية صدق الوحي بالقرآن الكريم‏,‏ وهما قضيتان استحال فهمهما‏,‏ والتصديق بهما علي المنافقين من الكفار والمشركين والمتشككين عبر التاريخ‏..!!!.‏ وتبدأ سورة الطارق بقسم من الله‏(‏ تعالي‏)‏ وهو الغني عن القسم ـ بالسماء وبالطارق ـ وفي القسم بهما تفخيم لشأنهما‏,‏ وذلك لدلالة كل منهما علي عظيم قدرة الخالق الذي أبدعهما‏(‏ سبحانه وتعالي‏).‏ ومن صور ذلك التفخيم السؤال الموجه إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ عن ماهية الطارق‏,‏ ثم يأتي  الجواب بأنه النجم الثاقب وهو نجم يمثل مرحلة مهمة في نهاية حياة النجوم العملاقة يعرف باسم النجم النيوتروني والنجوم النيوترونية هي نجوم قليلة الحجم‏,‏ عالية الكثافة تدور حول محاورها بسرعات فائقة مصدرة سيولا من الموجات الراديوية‏,‏ تتتابع كالطرقات المتلاحقة التي تثقب صمت السماء‏,‏ وتصل إلينا وهي تدق سماء الأرض بطرقاتها المتلاحقة‏.‏
    ويأتي جواب القسم بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ إن كل نفس لما عليها حافظ‏,‏ أي أن‏(‏ الله تعالي‏)‏ قد جعل علي كل نفس رقيبا حافظا من الملائكة‏,‏ يحفظها‏,‏ ويحفظ عنها‏,‏ ويحصي عليها كل ما تعمل من خير أو شر‏,‏ في مراقبة دائمة‏,‏ دائبة‏,‏ لا تتخلف‏,‏ ولا تتوقف ابدا‏,‏ حتي يتأكد الإنسان من أنه محاسب لا محالة‏,‏ وان اعماله محصية عليه بدقة‏,‏ وأنه سوف يجزي عليها الجزاء العادل الأوفي‏.‏ ثم تستمر الآيات بتذكير الإنسان بضرورة النظر في أول نشأته حتي يعرف فضل الله‏(‏ تعالي‏)‏ عليه فلا يكفر‏,‏ ويعرف قدر نفسه فلا يتكبر ولا يتجبر‏,‏ ويؤمن بأن الذي أنشأه من ماء مهين قادر علي إفنائه‏,‏ وقادر كذلك علي بعثه بعد موته‏,‏ وعلي محاسبته وجزائه الجزاء الأوفي‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ فلينظر الإنسان مم خلق ويأتي جواب الاستفهام خلق من ماء دافق‏,‏ يخرج من بين الصلب والترائب ويأتي بعد ذلك القرار الإلهي القاطع‏:‏ إنه علي رجعه لقادر‏.‏
    أي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ الذي أبدع خلق الإنسان من ماء مهين‏,‏ لقادر علي إماتته‏,‏ وعلي إعادة بعثه‏,‏ أي إرجاعه الي الحياة مرة أخري بعد الموت‏,‏ ليقف بين يدي خالقه ومبدعه يوم القيامة فردا‏,‏ بغير أدني قوة ذاتية فيه يمكنه ان يمتنع بها‏,‏ ولا ناصر يمكنه أن ينتصر به‏,‏ يقف مقرا بكل فعل فعله‏,‏ وكل مال اكتسبه او أنفقه‏,‏ وكل كلمة تفوه بها‏,‏ ثم يلقي جزاءه العادل في هذا العرض الأكبر أمام الله‏,‏ في يوم تكشف فيه كل مكنونات الصدور‏,‏ وجميع ما يكون قد أخفي فيها من العقائد والنيات‏,‏ ويصفه الحق‏(‏  تبارك وتعالي‏)‏ هذا اليوم بقوله‏:‏ يوم تبلي السرائر فما له من قوة ولا ناصر ثم تستطرد الآيات بقسم آخر يقول فيه ربنا‏(‏ عز من قائل‏):‏ والسماء ذات الرجع‏,‏ والأرض ذات الصدع‏,‏ ويأتي جواب القسم‏:‏ إنه لقول فصل‏,‏ وما هو بالهزل أي أن هذا القول بالقرآن‏,‏ الناطق بالبعث بعد الموت وبغير ذلك من امور الغيب هو قول فاصل بين الحق والباطل‏,‏ وهو قول جاد‏,‏ حاسم‏,‏ لا هزل فيه‏,‏ وفي ضوء هذا القول القاطع‏,‏ الحاسم‏,‏ الجازم يتجه الخطاب في ختام هذه السورة الكريمة الي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ مباشرة‏,‏ والي من معه من صحابته الكرام‏(‏ رضوان الله عليهم أجمعين‏),‏ مثبتا ومطمئنا إياهم ـ وهم يعانون مكابدة الكافرين والمشركين من أهل مكة ـ كما نكابد اليوم غطرسة أهل الكفر واستكبارهم ـ بأن الله تعالي قادر علي أن يقابل كيدهم البشري الهزيل بكيد رباني متين‏,‏ لا يستطيعون له دفعا ولا منعا‏,‏ والله علي كل شيء قدير‏,‏ يستدرجهم من حيث لا يعلمون‏,‏ ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر وما ذلك علي الله بعزيز‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ إنهم يكيدون كيدا‏,‏ وأكيد كيدا‏,‏ فمهل الكافرين أمهلهم رويدا أي لا تستعجل عقابهم‏,‏ وانتظر أمر الله فيهم‏,‏ فسوف يريكم فيهم عجبا كما نطمع أن يرينا في أهل الكفر والشرك والضلال في زماننا عجبا إن شاء‏..‏  والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏(‏ يوسف‏:21).‏
    وهنا يبرز السؤال المهم‏:‏ لماذا أقسم ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بالسماء ذات الرجع وبالأرض ذات الصدع؟ وما هي أهمية كل منهما التي جعلت منهما مادة لهذا القسم الإلهي‏,‏ والله تعالي غني عن القسم؟ وقد سبقت الإجابة عن الشطر الأول من القسم في مقال سابق‏,‏ ونركز هنا علي الشطر الثاني من القسم‏:‏ والأرض ذات الصدع وقبل الخوض في ذلك لابد لنا من استعراض شروح المفسرين السابقين لهذا القسم القرآني الجليل‏.‏
    شروح المفسرين لقوله تعالي‏:‏ والأرض ذات الصدع:

    في شرح هذا القسم القرآني أشار ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ الي قول ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏ بأنه‏:‏ هو انصداعها عن النبات وذكر أن كلا من ابن جرير وعكرمة والضحاك والحسن‏,‏ وقتادة‏,‏ والسدي‏(‏ عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه‏)‏ قالوا به‏,‏ كما قال به غيرهم‏;‏ ومنهم صاحبا تفسير الجلالين‏(‏ يرحمهما الله‏)‏ اللذان قالا‏:‏ هو الشق عن النبات‏,‏ ولكن صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏)‏ قال‏:‏ والصدع‏:‏ النبت يشق الأرض وينبثق‏,‏ ووافقه في ذلك صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ يرحمه الله‏)‏ إذ ذكر ما نصه‏:‏ ذات الصدع اي ذات النبات‏,‏ لتصدعها وانشقاقها عنه‏,‏ وأصل الصدع‏:‏ الشق‏,‏ وأطلق علي النبات مجازا‏,‏ والنبات في الأرض إنما يكون بسبب المطر النازل من السماء‏.‏ أقسم الله بهما علي حقية القرآن الناطق بالبعث‏...‏ وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا ورحم من مات منهم‏):‏ أقسم بالسماء ذات المطر الذي يعود ويتكرر‏,‏ وبالأرض ذات الانشقاق عن النبات الذي يخرج منها‏.‏
    وكذلك أشار صاحب صفوة التفاسير‏(‏ بارك الله فيه‏)‏ الي قول ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏ في تفسير قول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)(‏ والأرض ذات الصدع‏)‏ مانصه‏:‏ أي وأقسم بالأرض التي تتصدع وتنشق فيخرج منها النبات والأشجار والأزهار‏...‏ ومن هذا العرض يتضح بإجماع قدامي المفسرين علي أن القسم بالأرض ذات الصدع يشمل انصداعها عن النبات او يعني نبات الأرض ذاته‏,‏ بمعني أن الصدع هو النبت يشق الأرض‏,‏ وينبثق منها‏.‏
    الأرض ذات الصدع في منظور العلوم الكونية:
     من المعاني الصحيحة التي فهمها الأولون من القسم القرآني بالأرض ذات الصدع معني انصداعها عن النبات‏,‏ اي انشقاقها عنه‏,‏ ولكن لما كانت لفظة الارض قد جاءت في القرآن الكريم بمعني التربة التي تغطي صخور اليابسة‏,‏ وبمعني كتل اليابسة التي نحيا عليها‏,‏ وبمعني كوكب الأرض كوحدة فلكية محددة‏,‏ فإن القسم القرآني بالأرض ذات الصدع لابد وان تكون له دلالة في كل معني من معاني كلمة الأرض كما نجده في الشرح التالي‏:‏
    أولا‏:‏ انصداع التربة عن النبات‏:
     الصدع لغة هو كسر في الأرض تتحرك الأرض علي جانبي مستواه حركة أفقية‏,‏ أو رأسية أو مائلة‏.‏ وتربة الأرض تتكون عادة من معادن الصلصال المختلطة أو غير المختلطة بالرمل‏,‏ وهي معادن دقيقة الحبيبات‏(‏ أقطارها أقل من‏0.004‏ من الملليمتر‏)‏ وتتركب اساسا من سيليكات الألومنيوم علي هيئة راقات متبادلة من كل من السيليكا‏(‏ ثاني اكسيد السيليكون‏)‏ والألومينا‏(‏ ثالث اكسيد الألومنيوم‏)‏ مع عناصر اخري كثيرة‏,‏ ويحمل كل راق علي سطحه شحنة كهربائية موجبة أو سالبة علي حسب نوع الصلصال المركب منه‏.‏
    والصلصال من المعادن الغروية‏,‏ والمواد الغروية لها قدرة الانتشار في غيرها من المواد نظرا لدقة حبيباتها‏,‏ كما ان لها القدرة علي تشرب الماء والالتصاق بأيونات العناصر‏,‏ ولذلك فإنه عند نزول الماء علي التربة أو عند ريها بكميات مناسبة من الماء فإن ذلك يؤدي الي انتفاشها وزيادة حجمها‏,‏ فتهتز حبيباتها‏,‏ وتربو الي اعلي حتي ترق رقة شديدة فتنشق لتفسح طريقا سهلا لكل من الجزير المندفع الي أسفل‏,‏ والسويقة المنبثقة من داخل البذرة النابتة الي اعلي حتي تتمكن من اختراق التربة بسلام وتظهر علي سطح الارض مستمرة في النمو لتغطي باقي اجزاء النبات‏.‏ واهتزاز التربة بنزول الماء عليها له اسباب اخري غير زيادة حجم حبيباتها بالتميؤ‏,‏ ومن ذلك وجود الشحنات الكهربائية المتشابهة علي اسطح الحبيبات‏,‏ مما يؤدي الي تنافرها‏,‏ وتباعد الحبيبات عن بعضها البعض‏,‏ في حركة اهتزازية لا يمكن إيقافها الا بتعادل تلك الشحنات بواسطة شحنات مخالفة ناتجة عن تأين أملاح التربة في ماء الري‏,‏ ومنها دفع جزيئات الماء لحبيبات التربة في كل الاتجاهات لتفسح مكانا لخزن المياه بين تلك الحبيبات‏,‏ ومنها دفع جزيئات الهواء المختزن لحبيبات التربة بواسطة الماء الذي يحل محله باستمرار حتي يطرده بالكامل‏,‏ وكلما زادت كمية المياه المختزنة في التربة حجما زاد انتفاشها وأدي ذلك الي زيادة حجمها‏,‏ فكل حبة من حبات التربة لها القدرة علي التشرب بالماء‏,‏ وحمله علي سطحها‏,‏ واختزانه في المسافات بينها وبين ما حولها من حبيبات‏,‏ وبذلك يتم التبادل بين الأيونات المختلفة علي اسطح حبيبات التربة  والأيونات المذابة في الماء المحفوظ بينها ليستفيد النبات من أيونات العناصر المغذية له في التربة بعد تحللها بواسطة الإنزيمات الخاصة التي تفرزها الجذيرات المندفعة الي اسفل من البذرة النابتة‏.‏ ولولا خاصية انصداع التربة عند نزول الماء عليها او ريها ما أنبتت الأرض علي الإطلاق‏,‏ ومن هنا كان ذلك وجها من أوجه القسم بالأرض ذات الصدع لأهميته البالغة في إعمار الأرض وجعلها صالحة للحياة‏.‏
    ثانيا‏:‏ تصدع صخور اليابسة‏:‏
    نتيجة لتعرض صخور قشرة الارض للإجهاد بالشد أو بالتضاغط تتكسر تلك الصخور بواسطة مجموعات من الفواصل المتوازية والمتقاطعة علي هيئة شقوق في قشرة الارض‏,‏ تمزق صخورها الي كتل متجاورة دون حدوث قدر ملحوظ من الحركة علي جوانب مستويات تلك الشقوق‏.‏ كذلك تحدث الفواصل نتيجة لعمليات التعرية التي تقوم  بازاحة كميات كبيرة من الصخور الظاهرة علي سطح الارض‏,‏ بما يعين علي تخفيف الضغط علي الصخور الموجودة اسفل منها وبالتالي تخفيف شدة الاجهاد الذي كانت تعاني منه تلك الصخور فتستجيب بالتمدد فتتشقق علي هيئة كسور تفصل أجزاء الصخور الي كتل متجاورة دون حدوث حركة ملحوظة عبر تلك الفواصل‏.‏


    وغالبية فواصل الارض تقع في مجموعات متوازية ومتقاطعة في اتجاهين

    اواكثر وان كان بعضها قد لا يكون له اتجاه محدد واغلبها قليل العمق‏.‏ وتحدث فواصل قشرة الارض كذلك نتيجة لتبرد الصهارة الصخرية المندفعة من باطن الارض قريبا من سطحها او الي سطحها علي هيئة متداخلات نارية او طفوح بركانية‏.‏
    ولتكون فواصل قشرة الأرض حكمة بالغة فهي خطوة مهمة لتجوية الصخور وتعريتها حيث انها تعمل كممرات لعوامل التعرية المختلفة الي داخل الصخور وبالتالي فإنها تعمل علي تكوين كل من تربة الارض‏,‏ والرسوبيات‏,‏ والصخور الرسويبة‏,‏ وبغير التربة لم تكن زراعة الارض ممكنة‏,‏ وبغير الصخور الرسوبية لم يتكون النفط ولا الغاز الطبيعي‏,‏ ولا العديد من الثروات الترسيبية مثل الفحم‏,‏ الفوسفات‏,‏ المتبخرات وغيرها‏,‏ كذلك فإن توزيع فواصل الغلاف الصخري للأرض قد يحدد مواقع لعدد من الركازات المعدنية المهمة مثل الذهب‏,‏ والفضة‏,‏ والنحاس‏,‏ والرصاص‏,‏ والقصدير وغيرها‏,‏ كما قد يعين في تحديد مجاري بعض الأنهار‏,‏ أو تكوين بعض الكهوف وحفر الإذابة في الصخور‏.‏ أما صدوع الأرض فهي كسور في قشرتها‏,‏ يتم عبرها تحرك صخورها علي جانبي مستوي الصدع حركة أفقية‏,‏ أو رأسية‏,‏ أو مائلة بدرجة ملحوظة‏,‏ وتتراوح أبعاد تلك الصدوع تباينا كبيرا‏,‏ فمنها مالا يري بالعين المجردة‏,‏ ولا تكاد الحركة عبر مستواه تدرك ومنها ما يمتد لعشرات الكيلومترات‏,‏ وتبلغ الحركة عبر مستواه مبلغا عظيما‏.‏
    ومن هذه الصدوع ما يتكون نتيجة لشد صخور الأرض في اتجاهين متعاكسين‏,‏ ومنها  ما يتكون نتيجة للتضاغط في اتجاهين متقابلين‏,‏ كما أن منها ما يتكون نتيجة انزلاق كتل الصخور عبر بعضها البعض‏.‏ وتحرك صدوع الأرض النشطة يحدث عددا من الهزات الأرضية‏,‏ أما الصدوع القديمة فقد أصبح أغلبها خاملا بلا حراك‏.‏ ولصدوع الأرض اهمية بالغة لأنها تمثل ممرات طبيعية بين باطن الارض وسطحها‏,‏ تتحرك عبرها الابخرة والغازات المحملة بالثروات المعدنية‏,‏ كما تتحرك المتداخلات النارية والطفوح البركانية المحملة كذلك بمختلف الصخور والمعادن الاقتصادية المهمة وبالعناصراللازمة لتجديد صخور وتربة سطح الأرض‏.‏ والصدوع تلعب أدوارا مهمة في تكوين كل من النتوءات والخسوف الأرضية‏,‏ والينابيع المائية‏,‏ وبعض المكامن البترولية‏,‏ كما تعين عمليات التعرية المختلفة في شق الفجاج والسبل‏,‏ وفي تكوين الأودية والمجاري المائية‏,‏ وفي جميع عمليات التعرية وتسوية سطح الأرض‏,‏ وما يستتبعه ذلك من تكوين كل من التربة والرسوبيات والصخور الرسوبية وما بها من الثروات الأرضية‏.‏
    وكما تكون الصدوع عاملا من عوامل الهدم علي سطح الأرض فإنها قد تكون عاملا من عوامل البناء تبني الجبال والتلال والهضاب‏,‏ كما تبني الأحواض‏,‏ والأغوار‏,‏ والخسوف الأرضية‏.‏
    ثالثا‏:‏ تصدع الأرض ككوكب بواسطة أودية الخسف‏:‏
    علي الرغم من التعرف علي عدد من اودية الخسف الصدوع العملاقة علي سطح الأرض منذ زمن بعيد إلا ان العلماء قد اكتشفوا في العقود الثلاثة الماضية ان ارضنا محاطة بشبكة هائلة من تلك الأودية الخسيفة الصدوع العملاقة التي تحيط بالأرض احاطة كاملة يشبهها العلماء باللحام علي كرة التنس‏,‏ وتمتد هذه الصدوع العملاقة لالاف الكيلومترات في جميع الاتجاهات بأعماق تتراوح بين‏65‏ و‏70‏ كيلو مترا تحت قيعان كل محيطات الأرض وقيعان عدد من بحارها‏,‏ وبين‏150,100‏ كيلو مترا تحت القارات‏,‏ ممزقة الغلاف الصخري للأرض بالكامل الي عدد من الألواح التي تعرف باسم ألواح الغلاف الصخري للأرض وتطفو هذه الألواح الصخرية فوق نطاق الضعف الأرضي‏,‏ وهو نطاق لدن‏,‏ شبه منصهر‏,‏ عالي الكثافة واللزوجة وتنطلق فيه تيارات الحمل من اسفل الي اعلي حيث تتبرد وتعاود النزول الي اسفل فتدفع معها الواح الغلاف الصخري للأرض متباعدة عن بعضها البعض في احدي حوافها ومصطدمة مع بعضها البعض عند الحواف المقابلة‏,‏ ومنزلقة عبر بعضها البعض عند بقية الحواف‏.‏ وينتج عن هذه الحركات لألواح الغلاف الصخري للأرض عدد من الظواهر الارضية المهمة التي منها اتساع قيعان البحار والمحيطات‏,‏ وتجدد صخورها باستمرار عند حواف التباعد‏.‏ وتكون سلاسل من جبال اواسط المحيطات ومن الجزر البركانية‏,‏ ومنها تكون السلاسل الجبلية عند حواف التصادم حيث يستهلك قاع المحيط تحت كتلتين القارتين المقابلتين له‏,‏ وتصاحب العمليتان بالهزات الأرضية وبكم هائل من الطفوح البركانية ويبلغ طول جبال أواسط المحيطات أكثر من‏64000‏ كيلومتر وهي تتكون أساسا من الصخور البركانية المختلطة بقليل من الرواسب البحرية‏.‏ وتحيط بالصدوع العملاقة‏,‏ ومع تجدد صعود الطفوح البركانية‏.‏ عبر هذا الصدع العملاق‏(‏ الوادي الخسيف‏)‏ في وسط سلسلة الجبال البحرية يتجدد قاع المحيط بأحزمة حديثة من الصخور البازلتية المتوازية علي جانبي  الوادي الخسيف‏,‏ ويهبط قاعة المحيط بنصف معدل اتساع قاع عند كل من شاطئيه‏,‏ وبذلك تكون احدث صخور قاع المحيط حول محوره الوسطي‏,‏ وأقدمها عند هبوط قاع المحيط تحت كتل القارتين المحيطتين به‏.‏
    وهذه الحركة لألواح الغلاف الصخري للأرض كانت سببا في زحف القارات‏,‏ وتجمعها‏,‏ وتفتتها بصورة دورية‏,‏ فيما يعرف باسم دورة القارات والمحيطات‏,‏ وفيها قد تنقسم قارة ببحر طولي مثل البحر الأحمر الي كتلتين ارضيتين تتباعدان عن بعضهما البعض باتساع قاع البحر الفاصل بينهما حتي يتحول إلي محيط‏,‏ كما قد يستهلك قاع محيط بالكامل تحت إحدي القارات بدفع كتلة أرضية له تحت تلك القارة حتي يصطدما مكونين أعلي سلاسل جبلية علي سطح الأرض كما حدث في اصطدام الهند بالقارة الآسيوية‏,‏ وتكون سلسلة جبال الهمالايا‏,‏ وبها قمة إفرست أعلي قمة جبلية علي سطح الأرض‏.‏ وهذه الصدوع العملاقة الأودية الخسيفة التي تحيط بالكرة الأرضية إحاطة كاملة بعمق يتراوح بين‏65‏ كيلومترا‏,‏ و‏150‏ كيلو مترا‏,‏ وبطول يقدر بعشرات الآلاف من الكيلومترات في كل الاتجاهات هي مراكز تتحرك عبرها ألواح الغلاف الصخري للأرض متباعدة أو مصطدمة أو منزلقة عبر بعضها البعض‏.‏ وهذه الصدوع العملاقة تعمل كممرات طبيعية للحرارة المختزنة في داخل الأرض والناتجة عن تحلل العناصر المشعة‏,‏ ولولاها لانفجرت الأرض‏.‏
    وعبر هذه الصدوع العملاقة تندفع ملايين الأطنان من الصهارة الصخرية علي هيئة طفوح بركانية تثري سطح الأرض بالعديد من الصخور والمعادن النافعة‏,‏ وتجدد شباب التربة الزراعية‏,‏ وتكون مراكز مهمة لاستغلال الحرارة الأرضية‏.‏ وعبر هذه الصدوع العملاقة وما صاحبها من فوهات البراكين انطلقت الغازات والأبخرة التي كونت غلافي الأرض المائي والغازي‏,‏ ولا تزال تنطلق لتجددهما‏,‏ وخلال تلك العملية تفقد الأرض من كتلتها الي فسحة السماء بعضا من مادتها وطاقتها تتناسب مع ما تفقده الشمس من كتلتها علي هيئة طاقة حتي تظل المسافة بين الأرض والشمس ثابتة‏,‏ لاتنقص فتحرقنا اشعة الشمس‏,‏ او تبتلعنا ودرجة حرارة لهيبها‏15‏ مليون درجة مئوية‏,‏ ولا تزيد فيتجمد وتتجمد الحياة من حولنا‏,‏ او تنفلت من عقال جاذبيتها فتضيع في فسحة الكون  الشاسع‏,‏ ليس هذا فقط‏,‏ بل ان الغلاف الصخري للأرض قد تكون ايضا عبر تلك الصدوع العملاقة‏,‏ وذلك لأن الكثير من الشواهد الأرضية تشير الي ان الغلاف الصخري الأول للأرض كان مكونا من صخور البازلت الشبيهة بصخور قيعان البحار والمحيطات الحالية‏,‏ وبالصخور المندفعة عبر الصدوع التي تمزقها‏,‏ وان الارض كانت مغطاة بالمياه علي هيئة محيط غامر واحد‏,‏ وبواسطة النشاط البركاني فوق قاع هذا المحيط الغامر تكونت أولي المرتفعات فوق قاعه علي هيئة عدد من السلاسل الجبلية في وسطه‏,‏ ارتفعت قممها لتكون عددا من الجزر البركانية‏,‏ ومع تحرك تلك الجزر البركانية تصادمت مع بعضها البعض لتكون نوي عدد من القارات التي نمت بتصادمها مع بعضها لتكون قارة واحدة عرفت باسم القارة الأم ‏Mother Continent or Pangaea‏ التي ما لبثت ان تفتتت بفعل ديناميكية الأرض وصدوعها العملاقة الي القارات السبع الحالية التي ظلت تتباعد عن بعضها حتي وصلت الي مواقعها الحالية‏.‏
    وعبر صدوع الأرض العملاقة تكونت القشرة القارية بتركيبها الذي تغلب عليه الصخور الجرانيتية‏,‏ وأثريت تلك القشرة ولا تزال تثري بمختلف العناصر والمركبات علي هيئة العديد من المعادن والركازات ذات القيمة الاقتصادية‏,‏ وتكونت السلاسل الجبلية التي تثبت باوتادها كتل القارات في قيعان البحار والمحيطات او تثبت قارتين ببعضهما البعض بعد استهلاك قاع المحيط الفاصل بينهما تحت احداهما‏,‏ وثارت البراكين ورجفت الأرض بالزلازل‏,‏ وتحركت دورات الماء والصخور وعوامل التعرية وتكونت التربة والرسوبيات والصخور الرسوبية وما تختزنه من الثروات الارضية واصبحت الارض صالحة لعمرانها بالحياة‏.‏ وهذه الصدوع العملاقة التي تمزق قيعان كل محيطات الارض وقيعان عدد من بحارها‏(‏ من مثل البحر الاحمر‏)‏ توجد ايضا علي اليابسة وتعمل علي تكوين بحار طولية شبيهة بالبحر الأحمر لتفتيت اليابسة الي عدد اكبر من القارات واشباه القارات‏,‏ وتحاط تلك الصدوع القاربة العملاقة بعدد من الجبال البركانية العالية من مثل جبل ارارات في شرق تركيا‏(5100‏ م فوق مستوي سطح البحر‏)‏ ومخروط بركان اتنا في شمال شرقي صقلية‏(3300‏ م فوق مستوي سطح البحر‏),‏ ومخروط بركان فيزوف في خليج نابلي بإيطاليا‏(1300‏ م فوق مستوي سطح البحر‏),‏ وجبل كيليمنجارو في تنجانيقا‏(5900‏ م فوق مستوي سطح البحر‏),‏ وجبل كينيا في جمهورية كينيا‏(5100‏ م فوق مستوي سطح البحر‏).‏
    فسبحان الذي وصف الأرض من قبل ألف وأربعمائة سنة بأنها ذات صدع‏,‏ لأن هذه الشبكة الهائلة من الصدوع العملاقة أو الأودية الخسيفة التي تمزق الغلاف الصخري  للأرض بعمق يتراوح بين‏150,65‏ كيلو مترا‏,‏ وتمتد لعشرات الآلاف من الكيلومترات لتحيط بالأرض إحاطة كاملة في كل الاتجاهات تتصل ببعضها البعض وكأنها صدع واحد‏.‏ وسبحان الذي اقسم بالأرض ذات الصدع من قبل ألف واربعمائة سنة تفخيما لظاهرة من اروع ظواهر الارض واكثرها ابهارا للعلماء‏,‏ واشدها لزوما لجعل الأرض كوكبا صالحا للحياة وللعمران‏,‏ لأنه بدونها لم يكن ممكنا للأرض ان تكون صالحة لذلك‏,‏ فعبر هذه الصدوع العملاقة خرج كل من الغلافين المائي والغازي للأرض‏,‏ ولايزالان يتجددان وعبر النشاط الملازم لها تحركت الواح الغلاف الصخري الأولي للأرض فتكونت القارات والسلاسل الجبلية‏,‏ والجزر البركانية‏,‏ وتجددت قيعان المحيطات‏,‏ وتزحزحت القارات‏,‏ وتبادلت اليابسة والمحيطات وثارت البراكين لتخرج قدرا من الحرارة الأرضية الحبيسة في داخل الأرض‏,‏ والتي كان من الممكن ان تفجرها لو لم تتكون تلك الصدوع العملاقة‏,‏ وخرجت كميات هائلة من المعادن والصخور ذات القيمة الاقتصادية مع هذه الثورات البركانية‏,‏ ونشطت ديناميكية الأرض‏,‏ وثبتت ألواح غلافها الصخري بالجبال‏.‏
    وهنا نري في صدوع الأرض ابعادا ثلاثة‏:‏ بعدا لا يتعدي بضعة ملليمترات او بضعة سنتيمترات في انصداع التربة عن النبات‏,‏ وبعدا آخر في صدوع اليابسة التي تمتد الحركات الأرضية عبر مستوياتها من عشرات السنتيمترات الي مئات الأمتار‏,‏ وبعدا ثالثا في الصدوع العملاقة التي تنتشر اساسا في قيعان المحيطات‏.‏ كما توجد في بعض اجزاء اليابسة علي هيئة اغوار سحيقة تتراوح اعماقها بين‏65‏ كيلو مترا‏,‏ و‏150‏ كيلو مترا‏,‏ وتمتد لعشرات الآلاف من الكيلومترات لتحيط بالأرض إحاطة كاملة علي هيئة صدع واحد‏,‏ ونري اهمية كل بعد من هذه الأبعاد في تهيئة الأرض للعمران‏.‏ ومن هنا كان القسم القرآني بالأرض ذات الصدع من قبل ألف وأربعمائة سنة‏,‏ والعلم الكوني لم يصل الي كشف تلك الحقيقة إلا في اواخر الستينات واوائل السبعينات من القرن العشرين‏,‏ ولم يكن لأحد في زمن الوحي‏,‏ ولا لقرون متطاولة من بعده إلمام بتلك الحقيقة الأرضية‏,‏ او ادراك لشيء من جوانبها‏,‏ ولا يمكن لعاقل ان يتصور مصدرا لها قبل ألف وأربعمائة من السنين غير الله الخالق‏.‏
    وهذا السبق القرآني بالإشارة الي تلك الحقيقة الأرضية والي غيرها من الحقائق الكونية هو ما يؤكد ان القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ وأن هذا النبي الخاتم‏,‏ والرسول الخاتم‏,‏ الذي أوحي اليه القرآن‏,‏ كان دوما موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض فصلي الله وسلم وبارك عليه‏,‏ وعلي آله وصحبه أجمعين وعلي كل من تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين‏,‏ اللهم آمين آمين آمين‏.
    • :الزلازل و البراكين .. رؤية ايمانية 

      سورة الزلزلة واحدة من أكثر سور القرآن الكريم تأثيرا في القلوب الواعية منها والغافلة، ومن أشدها تحذيرا وتنبيها


      للنفس البشرية بما تسوقه من صور لمشهد عظيم من مشاهد يوم القيامة التي تتنوع وتتعدد.... مبشرة الأتقياء بنعيم مقيم محذرة الأشقياء من عذاب أليم. مؤكدة أن عمل الخير أو الشر مهما تضاءل سيجزى به الإنسان وأن الحساب والوزن والجزاء لن يترك صغيرة ولا كبيـرة إلا ويحصيـها ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ).

          تبدأ السورة بربط ظاهرتين عرفهما الناس في حياتهم الدنيا، واعتبروهما من الكوارث الطبيعية... الزلازل والبراكين؛ نظرا لما تحدثانه من هلاك ودمار وما تبثانه من هلع وذعر. وواضح من السياق أن ما سيحدث يوم القيامة سيكون أكثرا هولا وأشد وقعا وأنه لا وجه لتشبيه ما سيحدث في ذلك اليوم بما ألفه الناس أو عرفوه في دنياهم، ومن المثير للتأمل والتدبر أن أول آيتين في السورة قد أوردتا إشارتين علميتين في غاية الأهمية، لم يتوصل العلم إليهما بشكل قطعي إلا في منتصف هذا القرن وبعد تجميع كم هائل من القياسات والبيانات من كافة أنحاء العالم، استخدم في الحصول عليه أدق الأجهزة العلمية وأكثرها حساسية، وما كان يمكن لبشر في زمن محمد عليه الصلاة والسلام أن يصل إلي أي منها.

      الإشارة العلمية الأولى: هي الربط بين ظاهرتي الزلازل والبراكين.

      الإشارة العلمية الثانية: هي أن مكونات جوف الأرض أثقل من مكوناتها السطحية.

           بالنسبة للإشارة الأولى فكلنا سمع في السنوات الحديثة عن ما يسمى بشبكات الرصد الزلزالي المنتشرة في كل بقاع العالم، وكلنا يقرأ بين الحين والآخر أن مرصد حلوان في مصر ومرصد كذا في فرنسا وكذا في أمريكا وكذا، في اليابان قد سجل الزلزال الذي وقع في منطقة كذا والتي قد تبعد آلاف الأميال عن تلك المراصد، وأنه قد تم بفضل تعاون هذه المراصد تحديد بؤرة الزلزال وشدته بدقة كبيرة، كما وأننا جميعا نسمع بين حين وآخر عن حدوث انفجار أو نشاط بركاني في منطقة كذا من العالم، وربما شاهد بعضنا ما تعرضه أجهزة التلفاز عن هذه الأنشطة البركانية ورأى الحمم أو سحب الرماد البركاني تخرج من فوهات البراكين أو من تشققات الأرض، وما تحدثه من دمار وهلع وذعر فدعا الله أن يقيه شر هذا البلاء، وحمده لكونه يعيش بعيدا عن مثل تلك المناطق، ولكن الذي لا يعرفه  الكثيرون هو أن هناك فئة ليست بالقليلة من العلماء المتخصصين تعكف على هذه الأحداث والبيانات لتوقعها على خرائط أساس ( أي خالية من أي بيانات ) للكرة الأرضية، فهذه مجموعة توقع بؤر الزلازل التي تزيد شدتها على والتي حدثت خلال المائتي عام الماضية على خريطة تسمى خريطة مواقع الزلازل الحديثة وهذه مجموعة أخرى توقع أماكن الأنشطة البركانية الحديثة خلال نفس الفترة  الزمنية على خريطة أساس مماثلة وتسمى خريطة النشاط البركاني الحديث أظهرت خريطة المجموعة الأولي أن توزيع بؤر الزلازل على مستوي الكرة الأرضية ليس عشوائيا بل إنه يتبع نمطا معينا، وأن هناك مناطق تخلو تماما من تلك البؤر مثل الصحراء الكبرى بينما هناك أخرى تتركز فيها هذه البؤر مثل اليابان وإندونيسيا والساحل الغربي لأمريكا الجنوبية والتي أطلق عليها مجازا أحزمة الزلازل، وأظهرت خريطة المجموعة الثانية أن توزيع الأنشطة البركانية ليس عشوائيا أيضا بل يتبع نمطا معينا، وأن هناك مناطق تخلو تماما من النشاط البركاني مثل الصحراء الكبرى وأخرى تكثر فيها هذه الأنشطة مثل اليابان وإندونيسيا والساحل الغربي لأمريكا اللاتينية وأطلق عليها حزام النار، تظهر أي مقارنة بين تلك الخرائط أن هناك تطابقا كاملا بين المناطق التي تحدث فيها الزلازل (أحزمة الزلازل) وتلك التي تكثر فيها الأنشطة البركانية (أحزمة النار) مما يؤكد وجود علاقة وثيقة لا يشوبها أي شك بين الزلزلة والانفجارات البركانية.

      والسؤال هو: لو لم يكن هذا القرآن وحيا من العليم الحكيم فكيف تأتىَّ لمحمد أن يربط بين هاتين الظاهرتين بالذات ليصور منهما مشهدا من مشاهد يوم القيامة ؟ ولماذا لم يربط الزلازل مثلا بالصواعق أو الأعاصير أو يربط البرق والرعد بالبراكين ؟ وكيف أمكن لمحمد دون أي قياسات أو اتصالات أو رصد وقبل أن تكتشف مناطق كثيرة من العالم أن يربط بين الظاهرتين بهذا الربط الجازم الواضح المبسط ؟ (إن هو إلا وحي يوحي ) ولعل في هذه الإشارة العلمية وما بها من إعجاز مجالا ليراجع أي منكر لرسالة محمد موقفه وليزداد كل مؤمن بها إيمانا وتصديقا.

         

      أما بالنسبة للإشارة العلمية الثانية والتي وردت في الآية الثانية من سورة الزلزلة (وأخرجت الأرض  أثقالها) فهي تفيد أن مكونات الأرض في جوفها أثقل من مكوناتها عند سطحها. والسؤال هو: ما نصيب هذه المعلومة من الصحة ومتى وكيف أمكن للعالم أن يعرفها ؟ أما أن هذه المعلومة صحيحة فهذا أمر مؤكد لا يختلف عليه اثنان من علماء الأرض الآن بل إنه أمكن تحديد كثافة تلك المكونات فمتوسط الثقل النوعي لمواد الأرض السطحية هو حوالي 2.5 وتزيد هذه القيمة تدريجيا لتصل إلي حوالي 3.5 في الوشاح على عمق يبدأ من حوالي 60 كم إلى حوالي 2900 كم ثم يصل الثقل النوعي إلى حوالي 12 في لب الأرض الذي يمتد لمسافة 3000 كم أخرى حتى مركز الأرض.

           أما متى عرف العلماء هذه الحقائق ؟ فالمعلومات كلها تؤكد أن ذلك تم كله في القرن الحالي بعد أن أمكن قياس سرعة انتقال الموجات الزلزالية في جوف الأرض وتحديد النطاقات التي تتغير عندها هذه السرعات، ثم تحديد تركيب هذه النطاقات من المضاهاة التجريبية لسرعة انتقال أنواع الموجات في المواد المختلفة، كما ساعدت دراسة النيازك الحديدية التي تتساقط على الأرض والتي يعتقد أنها مماثلة لمكونات الأرض الداخلية أيضا في الوصول إلي تصور عن التركيب الداخلي للأرض والصور التي يمكن أن تتواجد عليها المادة هناك كما أمكن الاستفادة أيضا من قوانين الجاذبية في حساب متوسط كثافة الأرض حوالي 5.5م/سم والذي أعطى مصداقية لكل هذه التقديرات.

          والآن نعود فنسأل لو لم يكن وحيا فكيف كان لمحمد أن يعرف هذا التدرج في ارتفاع كثافة مكونات الأرض وأنه عندما تحدث الزلزلة الكبرى ستلقي الأرض بأثقالها مما هو في أعماق أعماقها، ثم نوجه الانتباه إلي هذا التوافق الرائع مع ما ذكره الحق في موضع آخر من كتابه الكريم (الله الذي جعل لكم الأرض قرارا) سورة غافر 64. فقد جعلها بهذا التوزيع الداخلي للأثقال والجاذبية ملائمة تماما للحياة  والاستقرار عليها سواء من البشر أو الحيوان أو النبات، فإذا أراد الله أن ينهي هذه الحياة بكافة صورها فما على الأرض إلا أن تتخلى عن مسئوليتها وتلقي ما بداخلها تصديقا لقوله تعالي (وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت) سورة الانشقاق 3-4. وبهذا تنتهي الحياة على الأرض... الزلزال الأعظم يحدث فتتشقق الأرض ويندفع ما بداخلها وتلقي بأثقالها فتميد وتضرب (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار.





    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق